وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - أَنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ، فَيُوَرَّثُ الْعَادِلُ مِنَ الْبَاغِي وَيُوَرَّثُ الْبَاغِي مِنَ الْعَادِلِ لِأَنَّهُمَا مُتَأَوِّلَانِ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ مالك - أنه إن قتله في عميا تَوَارَثَا، لِأَنَّ الْعَمْيَاءَ خَطَأٌ، وَهُوَ يُوَرِّثُ الْخَاطِئَ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا لَمْ يَتَوَارَثَا.
وَالرَّابِعُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - إنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ بِحَالٍ فِي عَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ لِعُمُومِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لا ميراث لقاتل.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنْ أُرِيدَ دَمُهُ أَوْ مَالُهُ أَوْ حَرِيمُهُ فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى نفس من أراده (قال الشافعي) رحمه اللَّهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيمَنْ أُرِيدَ دَمُهُ أَوْ مَالُهُ أَوْ حَرِيمُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ أَرَادَهُ وَإِنْ أَتَى الْقِتَالُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَكُونُ دَمُ الطَّالِبِ هَدَرًا مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَطْلُوبِ مَلْجَأٌ يَلْجَأُ إِلَيْهِ، مِنْ حِصْنٍ يُغْلِقُهُ عَلَيْهِ أَوْ مَهْرَبٍ لَا يُمْكِنُ لُحُوقُهُ فِيهِ لِرِوَايَةِ الضِّحَاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ نَفْسِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ حَرِيمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ جَارِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) .
فَإِنْ وَجَدَ الْمَطْلُوبُ مَلْجَأً يَلْجَأُ إِلَيْهِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ: لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ.
فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ. .
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَبَاحَ قِتَالَهُ: إِذَا لَمْ يَأْمَنْ رَجْعَتَهُ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي مَنَعَ مِنْ قِتَالِهِ: إِذَا أَمِنَ رَجْعَتَهُ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْقِتَالِ فَوُجُوبُهُ مُعْتَبَرٌ بِمَا أَرَادَهُ الطَّالِبُ، وَذَلِكَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُرِيدَ مَالَ الْمَطْلُوبِ دُونَ دَمِهِ وَحَرِيمِهِ، فَهَذَا الْقِتَالُ مُبَاحٌ وَالْمَطْلُوبُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قِتَالِ الطَّالِبِ وَبَيْنَ الِاسْتِسْلَامِ وَتَسْلِيمِ مَالِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ الطَّالِبُ حَرِيمَ الْمَطْلُوبِ، لِإِتْيَانِ الْفَاحِشَةِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَنْ يُقَاتِلَ عَنْهَا وَيَمْنَعَ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُرِيدَ الطَّالِبُ نَفْسَ الْمَطْلُوبِ، فَفِي وُجُوبِ قِتَالِهِ وَدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَجْهَانِ: