مَضْمُونِ الْأَصْلِ كَالْوَدَائِعِ وَالشِّرَكِ وَالْمُضَارَبَاتِ فَضَمَانُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ ضَمَانَ أَصْلِهِ غَيْرُ لَازِمٍ. وَإِنْ كَانَ مَضْمُونَ الْأَصْلِ، لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا فِي الذِّمَّةِ أَوْ عَيْنًا قَائِمَةً فَإِنْ كَانَ حَقًّا فِي الذِّمَّةِ صَحَّ ضَمَانُهُ، عَلَى مَا سَنَشْرَحُهُ فِي اسْتِقْرَارِ لُزُومِهِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا قَائِمَةً كَالْمَغْصُوبِ، وَالْعَوَارِي، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ إِنَّ ضَمَانَهَا بَاطِلٌ إِلَّا أَنْ تَتْلَفَ فَيَسْتَقِرَّ غُرْمُهَا فِي الذِّمَّةِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ ضَمَانُ الْأَعْيَانِ جَائِزٌ كَضَمَانِ مَا فِي الذِّمَمِ، لِأَنَّ كِلَاهُمَا حَقٌّ قَدْ لَزِمَ وَحَكَاهُ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْعَيْنَ إِذَا كَانَتْ بَاقِيَةً فَالْوَاجِبُ رَدُّهَا، وَذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَعْجِزُ عَنْهُ الضَّامِنُ، فَإِنْ تَلِفَتْ لَزِمَ غُرْمُ قِيمَتِهَا وَذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَضْمَنْهُ الضَّامِنُ مَعَ مَا فِيهَا مِنَ الْجَهَالَةِ.
فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَكُونُ ضَمَانُ الْأَعْيَانِ بَاطِلًا وَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ مُطَالَبَةٌ بِسَبَبِهَا وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ سُرَيْجٍ الضَّمَانُ لَهَا لَازِمٌ وَيُؤْخَذُ الضَّامِنُ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ مَا كَانَتْ بَاقِيَةً فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا صَارَ كَالْمُعْسِرِ بِالْحَقِّ يُؤَخَّرُ بِهِ إِلَى حِينِ قُدْرَتِهِ فَإِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ فَقَدْ خَرَّجَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَدْ بَطَلَ كَمَنْ كَفَلَ بِنَفْسٍ فَتَلِفَتْ وَبَطَلَتِ الْكَفَالَةُ لِفَوَاتِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ الضَّمَانَ يَنْتَقِلُ إِلَى الْقِيمَةِ، لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ عِنْدَ تَلَفِهَا وَلَا تَمْنَعُ جَهَالَةُ قَدْرِهَا مِنْ لُزُومِ ضَمَانِهَا لِأَنَّهَا تَفَرَّعَتْ عَنْ أَصْلٍ مَعْلُومٍ، وَخَالَفَتِ الْكَفَالَةَ لِأَنَّ تَلَفَ النَّفْسِ لَا يَنْقُلُهَا إِلَى بَدَلٍ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَلَا يَصِحُّ الضَّمَانُ إِلَّا بِلَفْظٍ مَسْمُوعٍ يُخَاطِبُ بِهِ الضَّامِنُ، أَحَدَ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ، إِمَّا أَنْ يُخَاطِبَ بِهِ الْمَضْمُونَ لَهُ فَيَقُولَ قَدْ ضَمِنْتُ لَكَ عَنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ يُخَاطِبَ وَكِيلَ الْمَضْمُونِ لَهُ أَوْ يُقِرَّ بِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ عِنْدَ شَاهِدٍ فَإِنْ خَاطَبَ بِهِ مَنْ سِوَى هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا اخْتُصَّ بِخِطَابِ أَحَدِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ لَهُ صَاحِبُ الْوَثِيقَةِ وَمُسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةِ، فَكَانَ عَقْدُ الضَّمَانِ مَعَهُ أَوْ كَسِبَهُ وَأَمَّا وَكِيلُ الْمَضْمُونِ لَهُ فَلِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَلِأَنَّهُ مُسْتَوْفِي الْحُقُوقِ، وَالنَّائِبُ عَنِ الْغَائِبِ، وَلِأَنَّ عَلِيًّا وَأَبَا قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ضَمِنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَخَاطَبَاهُ فَأَمْضَاهُ، وَأَمَّا الشَّاهِدُ فَلِأَنَّهُ مِمَّنْ يُحْفَظُ بِهِ الْحُقُوقُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنْ خَاطَبَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ فَتَمَامُ الضَّمَانِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْمَضْمُونِ لَهُ، وَهَلْ يَكُونُ مَشْرُوطًا بِقَبُولِهِ أَوْ رِضَاهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ إنَّ تَمَامَ الضَّمَانِ مَشْرُوطٌ بِقَبُولِ الْمَضْمُونِ لَهُ فِي الْحَالِ لَفْظًا، لِأَنَّ الضَّمَانَ عُقَدُ وَثِيقَةٍ، يَفْتَقِرُ إِلَى لَفْظِ الضَّامِنِ بِالضَّمَانِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَفْتَقِرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute