وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ بِهَذَا الشَّرْطِ، لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِمُوجَبِهِ، إِذْ مُوجَبُ الْعَقْدِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ بِهِ، وَالشَّرْطُ إِذَا نَافَى مُوجَبَ الْعَقْدِ أَبْطَلَهُ، وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، والْبُوَيْطِيِّ وَالْأُمِّ.
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الرِّضَا يَلْزَمُ بِهِ الْبَيْعُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَيَبْطُلُ بِهِ الْبَيْعُ إِنْ كَانَ مَعَ الْعَقْدِ وَاللَّهُ أعلم.
[مسألة:]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " فَكَلُّ مُتَبَايِعَيْنِ فِي سِلْعَةٍ وَعَيْنٍ وَصَرْفٍ وَغَيْرِهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْبَيْعِ حَتَى يَتَفَرَّقَا تَفَرُّقَ الْأَبْدَانِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ وَإِذَا كَانَ يَجِبُ التَّفرُّقُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ إذا خّير أحدهما صاحبه بعد البيع وكذلك قال طاوس خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجلا بعد البيع فقال الرجل عمّرك الله ممن أنت؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " امرؤ من قريش " (قال) فكان طاوس يحلف ما الخيار إلا بَعْدَ الْبَيْعِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ثَبَتَ بِمَا مَضَى خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي الْبُيُوعِ كُلِّهَا، وَفِي الصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ، لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّ خِيَارَ الثَّلَاثِ وَإِنْ دَخَلَ فِي الْبُيُوعِ، فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ. لِأَنَّ الْقَبْضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِمَا، مَنَعَ مِنْ بَقَاءِ عُلْق الْعَقْدِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، وَخِيَارُ الثَّلَاثِ يُبْقِي عُلْق الْعَقْدِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَمُنِعَ مِنْهُ.
فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَعَقْدُ الْبَيْعِ يَلْزَمُ بِشَيْئَيْنِ: هُمَا: - الْعَقْدُ. - وَالِافْتِرَاقُ.
وَإِذَا كَانَ لَا يَلْزَمُ إِلَّا بِهِمَا وَجَبَ بَيَانُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
فَنَبْدَأُ بِبَيَانِ الْعَقْدِ وَحُكْمِهِ، ثُمَّ بِالِافْتِرَاقِ وَلُزُومِ الْبَيْعِ بِهِ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا الْعَقْدُ فَيَصِحُّ بِاعْتِبَارِ ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: اللَّفْظُ الَّذِي يُعَقَدُ بِهِ.
وَالثَّانِي: كَيْفِيَّةُ الْعَقْدِ بِهِ.
وَالثَّالِثُ: بَيَانُ مَا يَصِيرُ الْعَقْدُ تَابِعًا بِهِ.
فَأَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ اللَّفْظُ الَّذِي يُعَقَدُ بِهِ. فَأَلْفَاظُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
ضَرْبٌ: يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِ؛ وَضَرْبٌ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِ؛ وَضَرْبٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِ أَمْ لَا؟
فَأَمَّا مَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِ، فَلَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ، وَهِيَ قَوْلُهُ:
قَدْ بِعْتُكَ، وَإِحْدَى لَفْظَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي، هُمَا: قَوْلُهُ: قَدِ اشْتَرَيْتُ، أَوْ قَدِ ابْتَعْتُ، لِأَنَّ مَعْنَى الشِّرَاءِ وَالِابْتِيَاعِ سَوَاءٌ.