[(باب ما يكون قذفا ولا يكون ونفي الولد بلا قذف وقذف ابن الملاعنة وغير ذلك)]
قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ ولداً فقال ليس مني فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ حَتَى يَقِفَهُ فَإِنْ قَالَ لَمْ أَقْذِفْهَا وَلَمْ تَلِدْهُ أَوْ وَلَدَتْهُ مِنْ زَوْجٍ قَبْلِي وَقَدْ عُرِفَ نِكَاحُهَا قَبْلَهُ فَلَا يَلْحَقُهُ إِلَّا بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ تَشْهَدُ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ لِوَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ تَلِدَ مِنْهُ فِيهِ لِأَقَلِّ الْحَمْلِ وَإِنْ سَأَلَتْ يَمِينَهُ أَحْلَفْنَاهُ وَبَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ أَحْلَفْنَاهَا وَلَحِقَهُ فَإِنْ لَمْ تَحْلِفْ لَمْ يَلْحَقُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا أَتَتِ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ فَقَالَ: هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَذْفًا صَرِيحًا لِاحْتِمَالِهِ فَيُؤْخَذُ بِبَيَانِ مُرَادِهِ، وله في البيان أربعة أحوال: أَنْ يُبَيِّنَهُ بِمَا يَكُونُ قَذْفًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَرَدْتُ بِذَلِكَ أَنَّهَا زَنَتْ فَجَاءَتْ بِهِ مِنَ الزِّنَا فَيَصِيرُ قَاذِفًا وَعَلَيْهِ الْحَدُّ إِلَّا أَنْ يُلَاعِنَ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُبَيِّنَ فَيَقُولُ: أَرَدْتُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنِّي شَبَهًا فَلَا يُشْبِهُنِي خَلْقًا وَخُلُقًا، وَلَمْ يَكُنْ قَاذِفًا وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فَإِنِ ادَّعَتْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْقَذْفَ حَلَفَ وَبَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتِ الْيَمِينِ عَلَيْهَا فَإِنْ حَلَفَتْ صَارَ قَاذِفًا وَحُدَّ إِلَّا أَنْ يُلَاعِنَ وَلَيْسَ لَهُ نَفْيُ الْوَلَدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْحَدْ نَسَبَهُ.
(فَصْلٌ)
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَبِيِّنَ ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَلِدْهُ وَإِنَّمَا الْتَقَطَتْهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إِلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى وِلَادَتِهَا؛ لِأَنَّ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ مُمْكِنَةٌ، لِأَنَّ الْوِلَادَةَ لَا تَخْلُو فِي الْأَغْلَبِ مِنْ حُضُورِ النِّسَاءِ لَهَا، وَالْبَيِّنَةُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ بِوِلَادَتِهَا كَالرِّضَاعِ وَالِاسْتِهْلَالِ، فَإِنْ شَهِدَ بِهَا شَاهِدَانِ، أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ ذَكَرَا مُشَاهَدَةَ الْوِلَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدِ النَّظَرِ سُمِعَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ أَغْلَظُ، فَإِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِوِلَادَتِهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ إِلَّا بِاللِّعَانِ، فَإِنْ عُدِمَتِ الْبَيِّنَةُ فَهَلْ تَرْجِعُ إِلَى الْقَافَةِ فِي إِلْحَاقِهِ بِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُرْجَعُ إِلَى الْقَافَةِ كَمَا يُرْجَعُ إِلَيْهِمْ فِي إِلْحَاقِهِ بِالرَّجُلِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَلْحَقُوهُ بِهَا صَارَ كَالْبَيِّنَةِ عَلَى وِلَادَتِهَا فَيَلْحَقُ بِهَا وَبِزَوْجِهَا إِلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِاللِّعَانِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْقَافَةِ فِي إِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِالْأُمِّ ويجوز أن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute