للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلاةِ} [النساء: ١٠١] . فَأَبَاحَ الْقَصْرَ بِشَرْطِ الضَّرْبِ وَالْعَازِمُ عَلَى إِقَامَةِ أَرْبَعَةٍ غَيْرُ ضَارِبٍ فِي الْأَرْضِ فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَسْتَبِيحَ الْقَصْرَ، وَلِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ وَمَا دُونَهَا مُدَّةُ السَّفَرِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ أَوْجَبَ الْهِجْرَةَ حَرَّمَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثة "، فَاسْتَثْنَى الثَّلَاثَ وَجَعَلَهَا مُدَّةَ السَّفَرِ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا مُدَّةُ الْإِقَامَةِ، وَأَجْلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَنِ الْحِجَازِ وَجَعَلَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْهُمْ تَاجِرًا مُقَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَدَلَّتِ السُّنَّةُ وَالْأَثَرُ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ حَدُّ السَّفَرِ وَمَا فَوْقَهَا حَدُّ الْإِقَامَةِ، وَلِأَنَّهَا أَيَّامٌ لَا يَسْتَوْعِبُهَا الْمُسَافِرُ بِالْمَسْحِ الْوَاحِدِ فَلَمْ يَجُزِ الْقَصْرُ إِذَا أَقَامَهَا كَالْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلِأَنَّهَا أَيَّامٌ تَزِيدُ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسَافِرًا وَلَا عَازِمًا كالخمسة عشر، لأنها مُدَّةٌ لَا يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يُقِيمَهَا فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَصَارَتْ كَالشَّهْرِ

فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَصْرِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فَغَيْرُ حُجَّةٍ لِأَنَّا نُجِيزُ الْقَصْرَ أَرْبَعًا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَصَرَ ثَلَاثًا سِوَى يَوْمِ دُخُولِهِ وَيَوْمِ خُرُوجِهِ فَبَطَلَ اسْتِدْلَالُهُمْ بِهِ. أَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ تَحْدِيدَ مدة القصر لا يصار إليها إلا بالتوقف أَوْ إِجْمَاعٍ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُسَافِرِ إِلَى كَمْ يَقْصُرُ وَإِجْمَاعُنَا وَإِيَّاهُمْ مُنْعَقِدٌ عَلَى جَوَازِهِ فِي الْأَرْبَعِ وَالْخِلَافِ مِنْهُ وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا فَلَمْ يَجُزِ الْقَصْرُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا إِلَّا بِتَوْقِيفٍ أَوْ إِجْمَاعٍ

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ مَعَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ تَوْقِيفًا. وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا "

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى أَقَلِّ الطُّهْرِ، فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ أَنْ تَطْهُرَ مِنْ حَيْضِهَا ثُمَّ تَضَعُ حَمْلَهَا بَعْدَ يَوْمٍ وَتَرَى دَمَ النِّفَاسِ، فَيَكُونُ طُهْرُهَا الْيَوْمَ الَّذِي بَيْنَ حَيْضِهَا وَوَضْعِهَا وَإِنَّمَا أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إِذَا كَانَ بَيْنَ حَيْضَيْنِ عَلَى إِلْزَامِ الصَّلَاةِ، وَإِتْمَامُهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِمُدَّةٍ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يُعَدَّ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَكُلُّ مَنْ نَوَى مُقَامَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَوَامِلَ سِوَى يَوْمِ دُخُولِهِ وَيَوْمِ خُرُوجِهِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ إِتْمَامُ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ يَوْمُ دُخُولِهِ وَيَوْمُ خُرُوجِهِ لِأَنَّ السَّفَرَ يَجْمَعُ السَّيْرَ وَالنُّزُولَ وَالتِّرْحَالَ فَلَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ يَوْمُ دُخُولِهِ لِأَنَّهُ فِيهِ نَازِلٌ وَلَا يَوْمُ خُرُوجِهِ لِأَنَّهُ فِيهِ رَاحِلٌ، وَلِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَتَّصِلُ مَسِيرُهُ فِي جَمِيعِ يَوْمِهِ وَإِنَّمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالسَّيْرِ فِي بَعْضِهِ وَالْمُنَاخُ وَالِاسْتِرَاحَةُ فِي بَعْضِهِ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يُحْتَسَبْ يَوْمُ دُخُولِهِ وَيَوْمُ خُرُوجِهِ لِوُجُودِ السَّيْرِ فِي بَعْضِهِ فَلَوْ دَخَلَ الْبَلَدَ لَيْلًا وَنَوَى مُقَامَ أَرْبَعَةٍ فَقَدْ حَكَى أَبُو حَامِدٍ عَنِ الدَّارِكِيِّ أنه لا

<<  <  ج: ص:  >  >>