للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا التَّوْجِئَةُ فَلَا بَقَاءَ لِلنَّفْسِ مَعَهَا، فَارْتَفَعَ بِهَا حُكْمُ السِّرَايَةِ وَنَاظَرَنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَقَدِ اسْتَدْلَلْتُ فِيهَا بِمَا تَقَدَّمَ، فَاعْتَرَضَ عَلَيَّ بِأَنَّ الْأَلَمَ عَرَضٌ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَاسْتَحَالَ أَنْ يَبْقَى مَعَ انْقِطَاعِ مَادَّتِهِ فَأَجَبْتُهُ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَلَمَ لَمَّا وَصَلَ إِلَى الْقَلْبِ صَارَ مَحَلًّا لَهُ، فَتَوَالَتْ مِنْهُ مَوَادُّهُ كَمَا يَتَوَالَى مِنْ مَحَلِّ الْقَطْعِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا قَاتِلَانِ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ الأَوَّلِ، فَيَقْطَعَ يَدَهُ بِالْجِنَايَةِ وَيَقْتُلَهُ بِالسِّرَايَةِ، فَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْكَفِّ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْطَعَ ذِرَاعَهُ مِنَ المِرْفَقِ بِالْجِنَايَةِ وَيَقْتُلَهُ بِالسِّرَايَةِ، وَإِنْ كَانَتْ كَفُّهُ بَاقِيَةً عَلَى ذِرَاعِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَفِي جَوَازِ قَطْعِ ذِرَاعِهِ قَبْلَ قَتْلِهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ هَاهُنَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ إِفَاتَةُ نَفْسِهِ فَلَمْ تُعْتَبَرْ زِيَادَتُهُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ، لِأَنَّهُ إِيجَابُ قِصَاصٍ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ قِصَاصٌ، وَهَكَذَا كُلُّ جُرْحٍ إِذَا انْفَرَدَ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ إِذَا صَارَتَا نَفْسًا، فَفِي جَوَازِ الْقِصَاصِ مِنْهُ عند إرادة قتله قولان.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا تَشَاحَّ الْوُلَاةُ قِيلَ لَهُمْ لَا يَقْتُلُهُ إِلَّا وَاحِدٌ مِنْكُمْ فَإِنْ سَلَّمْتُمْ لِوَاحِدٍ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ قَتْلُهُ وَإِنْ تَشَاحَحْتُمْ أَقْرَعْنَا بَيْنَكُمْ فَأَيُّكُمْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ خَلَّيْنَاهُ وَقَتْلَهُ وَيُضْرَبُ بِأَصْرَمِ سَيْفٍ وَأَشَدِّ ضَرْبٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: صِفَةُ الْقِصَاصِ وَقَدِ اسْتَوْفَيْنَاهُ، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي طَرَفٍ اسْتَوْفَاهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسٍ اسْتَوْفَاهُ الْأَوْلِيَاءُ.

وَالْفَصْلُ الثَّانِي: فِي مُسْتَحِقِّهِ مِنَ الأَوْلِيَاءِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِأَحْوَالِهِمْ، وَهُمْ ثلاثة أصناف:

أحدهما: أَنْ لَا يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْقِصَاصِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُمْ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْقِصَاصِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُمْ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَهْلِهِ وَبَعْضُهُمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ فَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ كَانُوا إِذَا جَازَ أَمْرُهُمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُوَكِّلُوا مَنْ يَخْتَارُونَهُ مِنْ أَهْلِ الْقِصَاصِ، وَبَيْنَ أَنْ يُفَوِّضُوهُ إِلَى الْإِمَامِ لِيَسْتَنِيبَ لَهُمْ مَنْ يَخْتَارُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَهْلِهِ وَبَعْضُهُمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ خَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، وَبَقِيَ أَهْلُهُ هُمُ الْمُبَاشِرُونَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>