مُسْتَعْمَلَةً فِي مَنْصُوبٍ مُصَانٍ عَنِ الِاسْتِبْدَالِ كَالْحِيطَانِ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ يَسْقُطُ مَعَهَا فَرْضُ الْإِجَابَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: صَنَعْتُ طَعَامًا، وَدَعَوْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ رَجَعَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَجَعَكَ " قَالَ: " رَأَيْتُ صُورَةً وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ أَوْ كَلْبٌ ".
وَرَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ أَمَرَ عُمَرَ أَنْ يَمْحُوَ كُلَّ صُورَةٍ فِي الْكَعْبَةِ فَلَمَّا مُحِيَتْ دَخَلَهَا، وَلِأَنَّ الصُّوَرَ كَانَتِ السَّبَبَ فِي عِبَادَاتِ الْأَصْنَامِ، حُكِيَ أَنَّ آدَمَ لَمَّا مَاتَ افْتَرَقَ أَوْلَادُهُ فَرِيقَيْنِ فَرِيقٌ تَمَسَّكُوا بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ، وَفَرِيقٌ مَالُوا إِلَى الْمَعَاصِي وَالْفَسَادِ ثُمَّ اعْتَزَلَ أَهْلُ الصَّلَاحِ فَصَعِدُوا جَبَلًا وَأَخَذُوا مَعَهُمْ تَابُوتَ آدَمَ وَمَكَثَ أَهْلُ الْمَعَاصِي وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ فَكَانُوا يَسْتَغْوُونَ مَنْ نَزَلَ إِلَيْهِمْ مَنْ أَهْلِ الْجَبَلِ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى تَابُوتِ آدَمَ فَصَوَّرَ لَهُمْ إبليس صورة آدم ليتخذوا بَدَلًا مِنَ التَّابُوتِ فَعَظَّمُوهَا ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ رَأَى تَعْظِيمَهَا فَعَبَدَهَا فَصَارَتْ أَصْنَامًا مَعْبُودَةً، فَلِذَلِكَ حُرِّمَ اسْتِعْمَالُ الصُّوَرِ فِيمَا كَانَ مُصَانًا مُعَظَّمًا وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: إِنَّمَا كَانَ التَّحْرِيمُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْأَصْنَامِ وَمُشَاهَدَتِهِمْ بِعِبَادَتِهَا لِيَسْتَقِرَّ فِي نُفُوسِهِمْ بُطْلَانُ عِبَادَتِهَا وَزَوَالُ تَعْظِيمِهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ زَالَ فِي وَقْتِنَا لِمَا قَدِ اسْتَقَرَّ فِي النُّفُوسِ مِنَ الْعُدُولِ عَنْ تَعْظِيمِهَا فَزَالَ حُكْمُ تَحْرِيمِهَا، وَحَظْرُ اسْتِعْمَالِهَا، وَقَدْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَنْ يَعْبُدُ كُلَّ مَا اسْتَحْسَنَ مِنْ حجر تَحْرِيمِهَا، وَحَظْرُ اسْتِعْمَالِهَا، وَقَدْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَنْ يَعْبُدُ كُلَّ مَا اسْتَحْسَنَ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ فَلَوْ كَانَ حُكْمُ الْحَظْرِ بَاقِيًا لَكَانَ اسْتِعْمَالُ كُلِّ مَا اسْتُحْسِنَ حَرَامًا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ النَّصَّ يَدْفَعُهُ، وَإِنَّ مَا جَانَسَ الْمُحَرَّمَاتِ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُهَا وَلَوْ سَاغَ هَذَا فِي صُوَرٍ غَيْرِ مُجَسَّمَةٍ لَسَاغَ فِي الصُّوَرِ الْمُجَسَّمَةِ، وَمَا أَحَدٌ يَقُولُ هَذَا فَفَسَدَ بِهِ التَّعْلِيلُ.
فَصْلٌ
فَأَمَّا إِنِ اسْتُعْمِلَتِ الصُّوَرُ فِي مَكَانٍ مُهَانٍ مُسْتَبْذَلٍ كَالْبُسُطِ وَالْمُخَالِّ جَازَ، وَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ فَرْضُ الْإِجَابَةِ.
رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ عَلَّقَتْ سِتْرًا عَلَيْهِ صُورَةٌ فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرَآهُ رَجَعَ وَقَالَ: يَا عَائِشَةُ اقْطَعِيهِ وِسَادَتَيْنِ فَقَطَعَتْهُ مِخَدَّتَيْنِ.
وَلِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ فِي مُسْتَبْذَلٍ مُهَانٍ زَالَ تَعْظِيمُهَا مِنَ النُّفُوسِ فَلَمْ تَحْرُمْ قَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِإِلْقَاءِ صَنَمَيْنِ كَانَا عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَكَانَتْ تُدَاسُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ يُقِرُّهَا وَلَا يَمْنَعُ مِنِ اسْتِبْقَائِهَا؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ بِتَعْظِيمِهَا إِلَى الِاسْتِهَانَةِ بِهَا وَالْإِذْلَالِ بِهَا.
فَأَمَّا السُّتُورُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى الْأَبْوَابِ وَالْجُدْرَانِ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ صُوَرَ ذَاتِ أَرْوَاحٍ فَاسْتِعْمَالُهَا مُحَرَّمٌ سَوَاءَ اسْتُعْمِلَتْ لِزِينَةٍ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute