للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَيَنْزِلُ مِنْ عَلٍ، وَلَا يَخْفِضُ ذِرَاعَهُ فَيَقَعُ من أسفل، فَيَمُدُّ عَضُدَهُ وَيَرْفَعُ ذِرَاعَهُ؛ لِيَقَعَ الضَّرْبُ مُعْتَدِلًا.

قال ابن مسعود: لا يرفع ذراعه فِي الضَّرْبِ فَيُرَى بَيَاضُ إِبْطِهِ.

فَأَمَّا السَّوْطُ فِي ضَرْبِ التَّعْزِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دُونَ سَوْطِ الْحَدِّ لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَ فِي التَّعْزِيرِ بِسَوْطٍ لَمْ تُكْسَرْ ثَمَرَتُهُ فَوْقَ سَوْطِ الحد، ويكون صِفَةُ الضَّرْبِ فِيهِ أَعْلَى مِنْ صِفَتِهِ فِي الحد؛ لأن ذنوب التعزير مختلفة، فجاز أن يكون الضرب مُخْتَلِفًا، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْحُدُودَ أَغْلَظُ، فَلَمَّا كَانَ التَّعْزِيرُ دُونَهَا فِي الْقَدْرِ لَمْ يَجُزْ أن يكون فوقها في الصفة.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ قَائِمًا وَتُتْرَكُ له يده يتقي بِهَا وَلَا يُرْبَطُ وَلَا يُمَدُّ وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَتُضَمُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا وَتُرْبَطُ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ وَيَلِي ذَلِكَ مِنْهَا امْرَأَةٌ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي صِفَةِ السَّوْطِ وَالضَّرْبِ.

فَأَمَّا صِفَةُ المضروب فلا يخلوا إما أَنْ يَكُونَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، فَإِنْ كَانَ رَجُلًا ضُرِبَ قَائِمًا وَلَمْ يُصْرَعْ إِلَى الْأَرْضِ، ووقف مُرْسَلًا غَيْرَ مَشْدُودٍ وَلَا مَرْبُوطٍ، وَتُرْسَلُ يَدُهُ لِيَتَوَقَّى بِهَا أَلَمَ الضَّرْبِ إِنِ اشْتَدَّ بِهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَلَدَ مَنْ حَدَّهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ.

فَأَمَّا ثِيَابُهُ فَلَا يُجَرَّدُ مِنْهَا، وَتُتْرَكُ عَلَيْهِ؛ لِتُوَارِيَ جَسَدَهُ، وَتَسْتُرَ عَوْرَتَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا ما يمنع من ألم الضرب كالفراء والجياب الحشوة، فَتُنْزَعُ عَنْهُ وَيُتْرَكُ مَا عَدَاهَا مِمَّا لَا يَمْنَعُ أَلَمَ الضَّرْبِ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي دِينِنَا مَدٌّ وَلَا قَيْدٌ وَلَا غَلٌّ وَلَا تَجْرِيدٌ.

فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتُضْرَبُ جَالِسَةً؛ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، وَجُلُوسُهَا أَسْتَرُ لَهَا، وَتُرْبَطُ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا؛ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ فتبدوا عَوْرَتُهَا، وَتَقِفُ عِنْدَهَا امْرَأَةٌ تَتَوَلَّى رَبْطَ ثِيَابِهَا، وتستر مَا بَدَا ظُهُورُهُ مِنْ جَسَدِهَا، وَيَتَوَلَّى الرِّجَالُ ضَرْبَهَا دُونَ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ فِي مُبَاشَرَةِ النِّسَاءِ له هتكه.

قد أَحْدَثَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ وُلَاةِ الْعِرَاقِ ضَرْبَ النِّسَاءِ في صفة مِنْ خُوصٍ أَوْ غِرَارَةٍ مِنْ شَعْرٍ لِيَسْتُرَهَا، وذلك حسن والغرارة احب إلينا من الصفة لأن الصفة تدفع مِنْ أَلَمِ الضَّرْبِ مَا لَا تَدْفَعُهُ الْغِرَارَةُ، فَلَوْ خَالَفَ الْجَلَّادُ مَا وَصَفْنَا، وَضَرَبَ الرَّجُلَ جالساً أو

<<  <  ج: ص:  >  >>