للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " عَقْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظٌ مِثْلُ الْعَمْدِ وَلَا يُقْتَلْ صَاحِبُهُ ".

ذَكَرَهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " سُنَنِهِ " فَسَقَطَ بهما قول مالك وابن شبرمة.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا صَحَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فَدِيَةُ الْعَمْدِ الْمَحْضِ مُغَلَّظَةٌ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، بِالسِّنِّ، وَالصِّفَةِ، وَالتَّعْجِيلِ، وَالْمَحَلِّ، فَتَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي دُونَ عَاقِلَتِهِ، وَدِيَةُ الْخَطَأِ الْمَحْضِ مُخَفَّفَةٌ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ بِالسِّنِّ، وَالصِّفَةِ، وَالتَّأْجِيلِ، وَالْمَحَلِّ، فَتَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَهُ، وَدِيَةُ عَمْدِ الْخَطَأِ مُغَلَّظَةٌ بِشَيْئَيْنِ الصِّفَةِ وَالسِّنِّ، وَمُخَفَّفَةٌ بِشَيْئَيْنِ التَّأْجِيلِ وَالْمَحَلِّ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَامِدًا فِي فِعْلِهِ بِخِلَافِ الْخَطَأِ وَمُخْطِئًا فِي قَصْدِهِ بِخِلَافِ الْعَمْدِ تَوَسَّطَ فِيهَا بَيْنَ حُكْمِ الخطأ والعمد.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وكذلك لو ضَرَبَهُ بِعَمُودٍ خَفِيفٍ أَوْ بِحَجَرٍ لَا يَشْدَخُ أَوْ بِحَدِّ سَيْفٍ لَمْ يَجْرَحْ أَوْ أَلْقَاهُ فِي بَحْرٍ قُرْبَ الْبَرِّ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَوْمَ أَوْ مَاءٍ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ مِنْ مِثْلِهِ فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَكَذَلِكَ الْجِرَاحُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَصَدَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا بَيَانَ عَمْدِ الْخَطَأِ بِأَنْ يَكُونَ عَامِدًا فِي فِعْلِهِ خَاطِئًا فِي قَصْدِهِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ آلَةَ الْقَتْلِ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُحَدَّدٍ، وَمُثَقَّلٍ:

فَأَمَّا الْمُحَدَّدُ مِنَ الْحَدِيدِ إِذَا ضُرِبَ بِحَدِّهِ أَوْ بِرُمَّتِهِ فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُضْرَبُ بِحَدِّهِ إِلَّا لِقَصْدِ الْقَتْلِ صَارَ عَامِدًا فِي فِعْلِهِ وَقَصْدِهِ، فَصَارَ عَمْدًا مَحْضًا وَأَمَّا الْمُثْقَلُ فَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا يَقْتُلُ وَلَا يَسْلَمُ مِنْهُ مَضْرُوبُهُ كَالْحَجَرِ الْعَظِيمِ وَالْخَشَبَةِ الْكَبِيرَةِ إِذَا ضَرَبَهُ بِهِمَا فَهَذَا كَالْمُحَدَّدِ فِي أَنَّهُ عَمْدٌ مَحْضٌ، لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الضَّرْبَ إِلَّا لِلْقَتْلِ فَصَارَ عَامِدًا فِي الْفِعْلِ وَالْقَصْدِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا كَانَ خَفِيفًا لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ مَنْ ضُرِبَ بِهِ كَالنَّوَاةِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْقَلَمِ مِنَ الْخَشَبِ فَهَذَا هَدَرٌ لَا يُضْمَنُ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا كَانَ مُتَوَسِّطًا مِنَ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ يَجُوزُ أَنْ يَقْتُلَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَقْتُلَ فَإِذَا قَتَلَ فَهُوَ عَمْدُ الْخَطَأِ، لِأَنَّهُ عَامِدٌ فِي فِعْلِهِ خَاطِئٌ فِي قَصْدِهِ.

وَأَمَّا إِنْ أَلْقَاهُ فِي بَحْرٍ بِقُرْبِ الْبَرِّ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَوْمَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُسْلَمُ مِنْ مِثْلِهِ لِعَظَمِ مَوْجِهِ وَقِلَّةِ خَلَاصِ مَنْ يُلْقَى فِي مِثْلِهِ، فَهَذَا قَاتِلُ عَمْدٍ يَجِبُ عليه القود له مدة فِي فِعْلِهِ وَقَصْدِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَمُوتُ فِيهِ مَنْ يُحْسِنُ الْعَوْمَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>