النَّخْلِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الرَّهْنِ. فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى فِي الْقِسْمِ الثَّانِي سَوَاءً إِلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ: أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إِذَا كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِحَالِ النَّوَى الْمَزْرُوعِ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ الرَّهْنِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي إِمْضَاءِ الْبَيْعِ وَفَسْخِهِ مَعَ الرَّهْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ وَمِثْلُهُ يَخْفَى. وَلَيْسَ لَهُ فِي النَّخْلِ إِذَا كَانَ ظَاهِرًا قَبْلَ الرَّهْنِ خِيَارٌ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يخفى.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا وَنَخْلًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الرَّاهِنُ أَحْدَثْتَ فِيهَا نَخْلًا وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ وَلَمْ تَكُنْ دَلَالَةٌ وَأَمْكَنَ مَا قَالَ الرَّاهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ثُمَّ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ رَهَنَ رَجُلًا أَرْضًا مَعَ نَخْلِهَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ مِنَ النَّخْلِ هَلْ كَانَ مُتَقَدِّمًا فَدَخَلَ فِي الرَّهْنِ؟ أَوْ حَادِثًا فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الرَّهْنِ؟ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: كَانَ مُتَقَدِّمًا فَهُوَ رَهْنٌ. وَقَالَ الرَّاهِنُ: أَحْدَثْتُهُ بَعْدَ الرَّهْنِ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ. فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يعهد الْحَالُ بِصِدْقِ الرَّاهِنِ فِي ذَلِكَ: مِثْلَ أَنْ يَكُونَ النَّخْلُ مِنْ غَرْسِ عَشْرِ سِنِينَ، وَمُدَّةُ الرَّهْنِ عِشْرِينَ سَنَةً. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ لِاسْتِحَالَةِ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ، وَلَا يَمِينَ عَلَى الرَّاهِنِ، وَتَكُونُ النَّخْلُ خَارِجَةً مِنَ الرَّهْنِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَشْهَدَ الْحَالُ بِصِدْقِ الْمُرْتَهِنِ: وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ النَّخْلُ مِنْ غَرْسِ عِشْرِينَ سَنَةً وَمُدَّةُ الرَّهْنِ عَشْرُ سِنِينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ لِاسْتِحَالَةِ دَعْوَى الرَّاهِنِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَتَكُونُ تِلْكَ النَّخْلُ رَهْنًا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَلَّا يَكُونَ فِي الْحَالِ شَاهِدٌ وَيُمْكِنُ مَا قَالَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ الرَّهْنِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّخْلُ مِنْ غَرْسٍ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ غُرِسَ لِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا ادَّعَاهُ مَعَ إِمْكَانِ دَعْوَاهُ.
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ قَدِ ادُّعِيَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ عَقْدُ وَثِيقَةٍ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي إِنْكَارِ رَهْنِ النَّخْلِ كَمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لَوْ أَنْكَرَ رَهْنَ الْأَرْضِ.
فَإِذَا حَلَفَ الرَّاهِنُ فَالنَّخْلُ خَارِجَةٌ مِنَ الرَّهْنِ. فَإِنْ كَانَ فِي دَيْنٍ فَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كَانَ فِي بَيْعٍ أُحْلِفَ الْمُرْتَهِنُ بِاللَّهِ: لَقَدْ كَانَ النَّخْلُ دَاخِلًا فِي الرَّهْنِ. فَإِذَا حَلَفَ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ لَا يَعْتَرِفُ بِالْبَيْعِ إِلَّا بِرَهْنٍ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَكَانَ لَهُ فَسْخُهُ إِذَا حَلَفَ فيصير