للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَحَذْفِهِمَا لِأَنَّ مَعْهُودَ الشَّرْعِ فِيهِ مُخْتَلِفٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ.

(فَصْلٌ:)

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى نَذْرِ الْهَدَايَا إِذَا نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ، أَوْ نَفْسَهُ، أَوْ عَبْدَهُ، وَعَيَّنَهُ فَنَذْرُهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: يَلْزَمُهُ فِي هَذَا النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَيَكُونُ النَّذْرُ مُنْعَقِدًا بِالْكَفَّارَةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَلْزَمُهُ شَاةٌ إِذَا نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ، وَذَبْحَ نَفْسِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إِذَا نَذَرَ ذَبْحَ وَالِدِهِ وَعَبْدِهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: تَلْزَمُهُ الشَّاةُ فِي وَلَدِهِ، وَعَبْدِهِ خَاصَّةً، وَيَكُونُ نَذْرًا مُنْعَقِدًا بِشَاةٍ احْتِجَاجًا، بِأَنَّ خَلِيلَ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْتَزَمَ ذَبْحَ وَلَدِهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى، أن يفيديه بِشَاةٍ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذَبْحٍ عَظِيمٍ} (الصافات: ١٠٧) . وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ نَذَرَ ذَبْحَ ابْنِهِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ فَصَارَ إِجْمَاعًا.

وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا نَذْرَ فِي معصيةٍ، وَلَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ " وَهَذَا نَذْرٌ فِي مَعْصِيَةٍ، وَنَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَرَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِي اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ " وَالْتِزَامُ هَذَا النَّذْرِ مَعْصِيَةٌ، وَتَرْكُهُ طَاعَةٌ، وَلِأَنَّهُ نَذْرٌ لَا يَنْعَقِدُ بِالْوَفَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ بِغَيْرِهِ، كَالنَّذْرِ فِي جَمِيعِ الْمَعَاصِي، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْوَالِدِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْوَلَدِ، فَلَمَّا لَمْ تَلْزَمْهُ الشَّاةُ، إِذَا نَذَرَ ذَبْحَ وَالِدِهِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا تَلْزَمَهُ، إِذَا نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِحَالِ الْخَلِيلِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ أَنَّهُ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يَذْبَحُ ابْنَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أنِّي أذْبَحُكَ} (الصافات: ١٠٢) . وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ فِي الْمَنَامِ كَالْوَحْيِ فِي الْيَقَظَةِ، فَصَارَ ذَلِكَ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِيَخْتَبِرَ صَبْرَهُ وَطَاعَةَ ابْنِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرْ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) {الصافات: ١٠٢) . فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ أَصْلًا فِي النُّذُورِ، كَمَا لَمْ يُجْعَلِ الشُّرُوعُ فِي الذَّبْحِ أَصْلًا فِيهَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَالرِّوَايَةُ مُخْتَلِفَةٌ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ شَاةً، وَلَيْسَتْ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْأُخْرَى وَقَدْ سَقَطَتْ إِحْدَاهُمَا، فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ الْأُخْرَى، ثُمَّ لَوِ انْفَرَدَتِ الرِّوَايَةُ لَمَا صَارَتْ إِجْمَاعًا إِلَّا بِانْتِشَارِهَا وَلَمْ تَنْتَشِرْ فَلَمْ تَكُنْ إِجْمَاعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>