يَكُنْ بِهِ إِلَى اللِّعَانِ ضَرُورَةٌ، وَاللِّعَانُ لَا يُسْتَبَاحُ إِلَّا بِالضَّرُورَاتِ.
وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ لِرَفْعِ الْفِرَاشِ لِيَسْتَفِيدَ تَأْبِيدَ تَحْرِيمِهَا فَيَنْحَسِمُ عَنْهُ الطَّمَعُ فِي مراجعتها وليكون أدخل فِي وُجُوبِ الْمَعَرَّةِ عَلَيْهَا.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا لَاعَنَ الزَّوْجُ مِنْهَا عَلَى مَا وَصَفْنَا لَمْ تَلْتَعِنِ الزَّوْجَةُ بَعْدَهُ لِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهَا بِالشَّهَادَةِ فَإِذَا أُرِيدَ حَدُّهَا وَهِيَ حَامِلٌ لَمْ تُحَدَّ حَتَّى تَضَعَ لِأَنَّ الْغَامِدِيَّةَ حِينَ أَقَرَّتْ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالزِّنَا وَكَانَتْ حَامِلًا قَالَ: اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي حَمْلَكِ، فَلَمَّا وَضَعَتْهُ وَعَادَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: طَهِّرْنِي قَالَ: اذْهَبِي حَتَّى تُرْضِعِي وَلَدَكِ حَوْلَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُ حَوْلَيْنِ. ثُمَّ عَادَتْ وَمَعَهَا وَلَدُهَا فِي يَدِهِ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ، وَقَالَتْ: طَهِّرْنِي، فَرَجَمَهَا حِينَئِذٍ.
قَالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ أَمَرَ بِرَجْمِ حَامِلٍ: إِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا مَكَّنْتَ من سقيه لباها الَّذِي لَا تُحْفَظُ حَيَاةُ الْمَوْلُودِ إِلَّا بِهِ، ثُمَّ رُوعِيَ حَالُ مَنْ تُرْضِعُهُ، فَإِنْ كَانَ بِمَكَانٍ لَا يُوجَدُ بِهِ مُرْضِعٌ غَيْرُهَا أُخِّرَ حَدُّهَا إِنْ كَانَ رَجْمًا حَتَّى تُرْضِعَهُ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ جَلْدًا قُدِّمَ جَلْدُهَا إِذَا انْقَطَعَ عَنْهَا ضَعْفُ الْوِلَادَةِ، وَإِنْ وُجِدَ لِوَلَدِهَا مُرْضِعٌ قُدِّمَ رَجْمُهَا قَبْلَ رَضَاعِهِ، وَهَلْ تُرْجَمُ قَبْلَ تَعْيِينِ الْمُرْضِعَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ مَضَيَا فِي غير موضع.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى إِقْرَارِهَا بِالزِّنَا لَمْ يُلَاعِنْ وَلَمْ يُحَدَّ وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا ".
قَالَ الماوردي: أما الشهادة على الإقرار بالزناء فَفِيهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَمَا لَا يُقْبَلُ عَلَى فِعْلِ الزِّنَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِيَكُونَ الْفَرْعُ مُعْتَبَرًا بِأَصْلِهِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الزِّنَى مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا يُقْبَلُ فِي الْإِقْرَارِ بِهَا إِلَّا مَا يُقْبَلُ فِي أَصْلِهَا.
كَالْقَتْلِ يُقْبَلُ فِيهِ وَفِي الْإِقْرَارِ بِهِ شَاهِدَانِ، وَكَالدَّيْنِ يُقْبَلُ فِيهِ وَفِي الْإِقْرَارِ بِهِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ فَعَلَى هَذَا إِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ عَلَى إِقْرَارِهَا بِالزِّنَا شَاهِدَيْنِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ، وَكَانَ مَأْخُوذًا بِهِ إِلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْإِقْرَارِ لَمْ تَكْتَمِلْ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قال في الجديد: يقبل الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا شَاهِدَانِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي فِعْلِ الزِّنَا إِلَّا أَرْبَعَةٌ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ حُكْمِهِمَا يَقْتَضِي اخْتِلَافَ حُكْمِ الشَّهَادَةِ فِيهِمَا لِأَنَّ الْمُقِرَّ لَهُ بِالزِّنَا لَا يَتَحَتَّمُ حَدُّهُ، لِأَنَّ لَهُ إسقاط بالرجوع في إقراره، والمشهود عليه بفعل الزناء مَحْتُومُ الْحَدِّ لَا سَبِيلَ إِلَى إِسْقَاطِهِ عَنْهُ فَتَغَلَّظَتِ الْبَيِّنَةُ فِي الْحَدِّ وَتَحَقَّقَتْ فِي الْإِقْرَارِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْحُقُوقِ لِاسْتِوَاءِ الْحُكْمِ فِيهَا وَفِي الْإِقْرَارِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِالْقَتْلِ مَأْخُوذٌ بِالْقَوْلِ كَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، فَاسْتَوَتِ الْبَيِّنَةُ فِي الْقَتْلِ وَفِي الْإِقْرَارِ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute