وَلَمْ يُجْزِهِ الْآخَرُ سَوَاءٌ دَفَعَهُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي يَوْمَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " إِذَا دَفَعَ لَهُ حَقَّ مِسْكِينٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ دَفَعَ إِلَيْهِ فِي يَوْمَيْنِ أَجْزَأَهُ حَتَّى قَالَ: لَوْ دَفَعَ إِلَى مِسْكِينٍ حَقَّ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ أَجْزَأَهُ وَقَامَ مَقَامَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فَاعْتَبَرَ عَدَدَ الْإِطْعَامَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ عَدَدَ الْمَسَاكِينِ. وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُهُمَا مَعًا، وَيَمْنَعُ أَنْ يأخذ مسكين واحد من كفارة واحد مَرَّتَيْنِ لِيَسْتَوْفِيَ الْعَدَدَ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ كَمَا يَسْتَوْفِيهِ فِي الْوَصَايَا لَوْ أَوْصَى بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ؟ فَكَانَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْكَفَّارَاتِ أَوْلَى، وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ.
[(مسألة:)]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ أَطْعَمَ تِسْعَةً وَكَسَا وَاحِدًا لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يُطْعِمَ عشرةٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَوْ كِسْوَتُّهُمْ} .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُكَفِّرِ عَنْ يَمِينِهِ الْخِيَارَ فِي التَّكْفِيرِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أشياء الطعام أو الكسوة أو العتق، فبأيهما كَفَّرَ أَجَزْأَهُ، إِذَا اسْتَوْفَاهُ وَلَمْ يُفَرِّقْ، فَإِنْ أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً لَمْ يُجْزِهِ، وَكَانَ مُخَيَّرًا إِنْ شَاءَ تَمَّمَ إِطْعَامَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالْكِسْوَةِ، وَإِنْ شَاءَ تَمَّمَ كِسْوَةَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالْإِطْعَامِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُهُ أَنْ يُطْعِمَ خَمْسَةً وَيَكْسُوَ خَمْسَةً، لِأَنَّهُ لَمَّا أَجْزَأَهُ إِطْعَامُهُمْ وَأَجْزَأَتْهُ كِسْوَتُهُمْ أَجْزَأَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ إِطْعَامِهِمْ وَكَسَوْتِهِمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً، وَجَعَلَ كِسْوَةَ الخمسة بقية إِطْعَامِ الْخَمْسَةِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ جَعْلَ إِطْعَامَ الْخَمْسَةِ بِقِيمَةِ كِسْوَةِ الْخَمْسَةِ أَجْزَأَهُ فَأَجَازَ إِخْرَاجَ قِيمَةِ الْكِسْوَةِ طَعَامًا وَلَمْ يُجِزْ إِخْرَاجَ قِيمَةِ الطَّعَامِ كِسْوَةً فَلَمْ يَسْتَمِرَّ فِي جَوَازِ الْقِيمَةِ عَلَى أَصْلِهِ، وَلَا فِي الْمَنْعِ مِنْهَا عَلَى أَصْلِنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ المكفر بين ثلاثة، من طعام أو كسرة أَوْ عِتْقٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ خِيَارًا رَابِعًا فِي التَّبْعِيضِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ فِي الْكَفَّارَةِ تَبْعِيضُ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ امْتَنَعَ فِيهَا تبعيض الكسوة والإطعام.
قال الشافعي: " وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ثَلَاثَةِ أيمانٍِ مختلفةٍ فَأَعْتَقَ وَأَطْعَمَ وَكَسَا يَنْوِي الْكَفَّارَةَ وَلَا يَنْوِي عَنْ أَيِّهَا الْعِتْقُ وَلَا الْإِطْعَامُ وَلَا الْكِسْوَةُ أَجْزَأَهُ وَأَيُّهَا شَاءَ أَنْ يَكُونَ عِتْقًا أَوْ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فَالنِّيَّةُ الْأُولَى تُجْزِئُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، إِذَا كَانَتْ عليه ثلاثة كَفَّارَاتٍ عَنْ ثَلَاثِ أَيْمَانٍ مُخْتَلِفَةٍ كَانَ فِي التَّكْفِيرِ عَنْهَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا مِنْ جِنْسٍ واحدٍ فَيُطْعِمَ عَنْ جَمِيعِهَا وَيَكْسُوَ عَنْ جَمِيعِهَا، أَوْ يَعْتِقَ عَنْ جَمِيعِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيُطْعِمَ عَنْ أَحَدِهَا، وَيَكْسُوَ عَنْ أَحَدِهَا، وَيُعْتِقَ عَنْ أَحَدِهَا، لِأَنَّ لِكُلِّ كَفَّارَةٍ حُكْمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute