للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهَا فَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنِ الْوِلَايَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ بَذْلُهَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بَذْلُهَا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ يَشْكُرُهُ عَلَى جَمِيلٍ كَانَ مِنْهُ، فَهَذَا خَارِجٌ مِنَ الرِّشَا، وَمُلْحَقٌ بِالْهَدَايَا؛ لِأَنَّ الرِّشْوَةَ مَا تَقَدَّمَتْ وَالْهَدِيَّةَ مَا تَأَخَّرَتْ، وَعَلَيْهِ رَدُّهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُكْتَسِبًا بِمُجَامَلَتِهِ وَمُعْتَاضًا عَلَى جَاهِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَا فَعَلَهُ مِنَ الْجَمِيلِ وَاجِبًا أَوْ تَبَرُّعًا، وَلَا يَحْرُمُ بَذْلُهَا عَلَى الْمُهْدِي.

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يُهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ يَبْتَدِئُهُ بِالْهَدِيَّةِ لِغَيْرِ مُجَازَاةٍ عَلَى فِعْلٍ سَالِفٍ وَلَا طَلَبًا لِفِعْلٍ مُسْتَأْنَفٍ، فَهَذِهِ هَدِيَّةٌ بَعَثَ عَلَيْهَا جَاهُ السَّلْطَنَةِ، فَإِنْ كَافَأَ عَلَيْهَا جَازَ لَهُ قَبُولُهَا وَإِنْ لَمْ يُكَافِئْ عَلَيْهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَقْبَلُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ جَاهَ السَّلْطَنَةِ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَرُدُّهَا وَلَا يَقْبَلُهَا لِأَنَّهُ الْمَخْصُوصُ بِهَا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْثِرَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ بشيء وصل إليه بجاه المسلمين.

[(فصل: مهاداة ولاة العمالة) .]

وَأَمَّا الصِّنْفُ الثَّانِي وَهُمْ وُلَاةُ الْعِمَالَةِ كَعُمَّالِ الْخَرَاجِ وَالصَّدَقَاتِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُهْدِي مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ.

فَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ عَمَلِهِ كَانَتِ الْمُهَادَاةُ بَيْنَهُمَا كَالْمُهَادَاةِ بَيْنَ غَيْرِ الْوُلَاةِ وَالرَّعَايَا.

وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْهَدِيَّةُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُهْدِي، فَهَذِهِ رِشْوَةٌ لِتَقَدُّمِهَا، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُهَا لِأَنَّهَا تُهْمَةٌ تَعْطِفُهُ عَنِ الْوَاجِبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُسْنَدًا " اللِّطْفَةُ عَطْفَةٌ " وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَامِلُ مُرْتَزِقًا أَوْ غَيْرَ مُرْتَزِقٍ.

فَإِنْ أَضَافَ الْعَامِلُ، وَلَمْ يُهَادِهِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ مُسْتَوْطِنًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْخُلَ فِي ضِيَافَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُجْتَازًا جَازَ أَنْ يَدْخُلَ فِي ضِيَافَتِهِ، بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يهدى إليه بعد استيفاء الحق منه، على جَمِيلٍ قَدَّمَهُ إِلَيْهِ، فَيُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْجَمِيلُ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَفْعَلَهُ بِحَقِّ عَمَلِهِ، وَجَبَ رَدُّ الْهَدِيَّةِ وَحَرُمَ قَبُولُهَا.

وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا مَا لَمْ يُعَجِّلِ الْمُكَافَأَةَ عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>