للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسُمِّيَ فَجْرًا: لِانْفِجَارِ الضَّوْءِ مِنْهُ وَهُوَ فَجْرَانِ فَالْأَوَّلُ أَزْرَقُ يَبْدُو مِثْلَ الْعَمُودِ طُولًا فِي السَّمَاءِ لَهُ شُعَاعٌ ثُمَّ يَهْمَدُ ضَوْؤُهُ ثُمَّ يَبْدُو بَيَاضٌ.

الثَّانِي بَعْدَهُ عَرَضًا مُنْتَشِرًا فِي الْأُفُقِ قَالَ الشَّاعِرُ:

(وَأَزْرَقُ الْفَجْرِ يَبْدُو قَبْلَ أَبْيَضِهِ ... وَأَوَّلُ الْغَيْثِ قَطْرٌ ثُمَّ يَنْسَكِبُ)

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْفَجْرَيْنَ أَنَّهُ قَالَ: " الْفَجْرُ فَجْرَانِ الْأَوَّلُ مُسْتَطِيلٌ وَالثَّانِي مُسْتَطِيرٌ " فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ صِفَةِ الْفَجْرَيْنِ فَصَلَاةُ الصُّبْحِ تَجِبُ بِالثَّانِي مِنْهُمَا دُونَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ حَدِيثَ الْمَوَاقِيتِ وَإِنْ لَمْ يَخْتَصَّ أَحَدَ الْفَجْرَيْنَ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْفَجْرُ فَجْرَانِ الْأَوَّلُ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ دَقِيقٌ صعد لا يحرم الطول وَلَا يُحِلُّ الصَّلَاةَ ".

وَرَوَى سَوَادَةُ بْنُ حَنْظَلَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَكِنَّ الْفَجْرَ الْمُسْتَطِيلَ فِي الْأُفُقِ " فَدَلَّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ عَلَى افْتِرَاقِ حُكْمِ الْفَجْرَيْنِ وَتَعْلِيقِ الْحُكْمِ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ بِالثَّانِي مِنْهُمَا دُونَ الْأَوَّلِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْأَوَّلَ الْفَجْرَ الْكَذَّابَ، لِأَنَّهُ يَزُولُ وَلَا يَثْبُتُ، وَتُسَمِّي الْفَجْرَ الثَّانِيَ الْفَجْرَ الصَّادِقَ، لِأَنَّهُ صَدَقَكَ عَنِ الصُّبْحِ قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

(شَغَفَ الْكِلَابُ الضَّارِيَاتُ فُؤَادَهُ ... فَإِذَا بَدَا الصُّبْحُ الْمُصَدِّقُ يَفْزَعُ)

يُرِيدُ أَنَّ الصَّيْدَ يَأْمَنُ بِاللَّيْلِ فَإِذَا بدا الصبح فزع من القناص يَجِيءُ نَهَارًا.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ هِيَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ أَوْ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيِمَانِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صَلَاةُ النَّهَارِ عُجَمًا إِلَّا الْجُمُعَةَ، وَالْعِيدَيْنِ "، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنَ اللَّيْلِ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَ طُلُوعِهَا مِنَ اللَّيْلِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مِنْ صَلَاةِ النَّوْمِ وَلَيْسَتْ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَلَا مِنْ صلاة الليل لقوله تعالى: {يولج الليل في النهار ويولج النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [آل عمران: ٢٧] فَاقْتَضَى أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>