للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ جَعَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا اجْتِهَادًا مَحْضًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ قِيَاسًا، وَهَذَا الِاجْتِهَادُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ شِبْهُ الْأَصْلِ فَصَارَ قِيَاسًا.

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَتَرَدَّدَ الْفَرْعُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الصِّفَتَيْنِ، وَالْفَرْعُ جَامِعٌ لِصِفَتَيِ الْأَصْلَيْنِ، وَأَحَدُ الْأَصْلَيْنِ مِنْ جِنْسِ الْفَرْعِ، وَالْآخَرُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ.

مِثَالُهُ: أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ مِنَ الطَّهَارَةِ وَأَحَدُ الْأَصْلَيْنِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالْآخَرُ مِنَ الطَّهَارَةِ، فَيَكُونُ رَدُّهُ إِلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ لِمُجَانَسَتِهِ أَوْلَى مِنْ رَدِّهِ إِلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ مَعَ مخالفته.

وها هنا ضَرْبٌ رَابِعٌ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ وُجُودِهِ وَهُوَ أَنْ يَتَرَدَّدَ الْفَرْعُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ فِيهِ شَبَهُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْلَيْنِ، وَشَبَهُهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْلَيْنِ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ.

فَمَنَعَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا من جوازه وأحال تكافي الْأَدِلَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَبَّدَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِمَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ طَرِيقًا تُوَصِّلُهُمْ إِلَى عِلْمِهِ، وَلَكِنْ رُبَّمَا خَفِيَ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ لِقُصُورِهِ فِي الِاجْتِهَادِ فَإِنْ أَعْوَزَهُ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْأَصْلَيْنِ عَدَلَ إِلَى الْتِمَاسِ حُكْمِهِ مِنْ غَيْرِ الْقِيَاسِ.

وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى جَوَازِ وَجُودِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَدِلَّةِ غَامِضًا لِمَا عَلِمَهُ فِيهَا مِنَ الْمَصْلَحَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مُتَكَافِئًا لِمَا رَآهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَلَيْسَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لَهَا حُكْمٌ مَعَ التَّكَافُؤِ.

فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ مَا تَكَافَأَتْ فِيهِ الْأَدِلَّةُ وَتَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ: حَاظِرٍ وَمُبِيحٍ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُجْتَهِدَ بِالْخِيَارِ فِي رَدِّهِ إِلَى أَيِّ الْأَصْلَيْنِ شَاءَ مِنْ حَظْرٍ أَوْ إِبَاحَةٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ لَمْ يَرُدَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَنَصَّبَ عَلَى مُرَادِهِ مِنْهُمَا دَلِيلًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَرُدُّهُ إِلَى أَغْلَظِ الْأَصْلَيْنِ حُكْمًا وَهُوَ الْحَظْرُ دُونَ الْإِبَاحَةِ احْتِيَاطًا لِأَنَّ أَصْلَ التَّكْلِيفِ مَوْضُوعٌ عَلَى التَّغْلِيظِ.

فَصَارَتْ أَقْسَامُ الْقِيَاسِ مَا شَرَحْنَاهُ: اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا: سِتَّةُ أَقْسَامٍ مِنْهَا مُخْتَصَّةٌ بِقِيَاسِ الْمَعْنَى مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ فِي الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مِنْهَا فِي الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ وَسِتَّةُ أَقْسَامٍ مِنْهَا مُخْتَصَّةٌ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ فِي قِيَاسِ التَّحْقِيقِ وَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ في قياس التقريب.

[(فصل)]

: هل تثبت الأسماء والحدود والمقادير بالقياس؟

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَقْسَامِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ فَالَّذِي يَثْبُتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>