للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَلْفَ صِفَةً فِي الْعِتْقِ فَلَمْ يَصِحَّ الْعِتْقُ مَعَ الْعَجْزِ لِعَدَمِ الصِّفَةِ، وَصَارَ كَقَوْلِهِ: أَعْتِقُوا عَبْدِي الْأَسْوَدَ، فَإِذَا عُدِمَ الْأَسْوَدُ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْتَقَ غَيْرُهُ.

وَهَذَا فَاسِدٌ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ -: " إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ".

وَلِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ إِذَا عَجَزَ الثُّلُثُ عَنْهَا، لَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ مَا احْتَمَلَهُ مِنْهَا، قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا. وَلِأَنَّ الْعِتْقَ إِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنِ احْتِمَالِ جَمِيعِهِ، رُدَّ إِلَى ما احتمله الثلث من أجزائه، كالوصية بعتيق عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْأَلْفِ صِفَةً، فَتَكُونُ شَرْطًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا قَدْرًا وَجَعَلَهَا فِي الْعِتْقِ حدا.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " (ولو أوصى) أن يحج عنه ولم يكن حج حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَإِنْ بَلَغَ ثُلُثُهُ حَجَّةً مِنْ بَلَدِهِ أَحَجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ وَإِنْ لَمْ يبلغ عنه من حيث بلغ (قال المزني) رحمه الله وَالَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِ دَيْنٌ عَلَيْهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ لِلْمَيِّتِ فِي الْحَجِّ عَنْهُ حَالَتَيْنِ.

حَالَةٌ يُوصِي بِهِ، وَحَالَةٌ لا يوصي به.

فإن لم يوصي بِهِ، فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ.

إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حَجٌّ وَاجِبٌ، أَوْ لَا حَجَّ عَلَيْهِ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَجٌّ.

لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَطَوَّعَ عَنْهُ بِالْحَجِّ.

وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُوصِيَ بِهَا، فَوَاجِبٌ أَنْ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ بِأَقَلِّ مَا يُوجَدُ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ يُخْرِجُ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ ما وجب عليه من زكاة وَكَفَّارَاتٍ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا.

وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَصِحُّ الْحَجُّ عَنْهُ، وَلَا الزَّكَاةُ، إلا بوصية منه.

وهذا فاسد، لما ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَجِّ، وَلِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ وُجُوبُهُ بالمال، لزم أداؤه عنه، وإذا لزم أداؤه عنه، فمن رأس المال كَالدُّيُونِ.

وَيُخْرِجُ مِنْهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ مِنَ الْمِيقَاتِ، لَا مِنْ بَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَتِ اسْتِطَاعَتُهُ مِنْ بلده شرطا في وجوب، لأنه إذا كان حيا، لزم أداؤه بنفسه فصارت بعض المسافة معتبرة في استطاعته، فإذا مَاتَ، لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي النَّائِبِ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَلَدِهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ أَنْ يُؤْتَى بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ، فَلِذَلِكَ اعْتَبَرَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ.

فَصْلٌ:

وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>