للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ حَمَلِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَابِغَةَ الْكِلَابِيِّ قَالَ: كُنْتُ بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ لِي يَعْنِي زَوْجَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ، وَالْمِسْطَحُ عَمُودُ الْخَيْمَةِ، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي جَوْفِهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، وَأَنْ يُقْتَلَ مَكَانَهَا.

وَلَا يُعَارِضُ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ، لِأَنَّهُ أجنبي من المرأتين، وحمل ابن مَالِكٍ زَوْجُ الضَّرَّتَيْنِ، فَكَانَ بِحَالِهِمَا أَعْرَفَ.

وَمِنَ الْمَعْنَى: أَنَّ الْمُثَقَّلَ: أَحَدُ نَوْعَيْ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ فِي الْغَالِبِ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَحَقَّ فِيهِ الْقَوَدُ كَالْمُحَدَّدِ، وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ الْقَوَدُ فِي مُحَدَّدِهِ وَجَبَ فِي مُثَقَّلِهِ كَالْحَدِيدِ، وَلِأَنَّ الْقَوَدَ مَوْضُوعٌ لِحِرَاسَةِ النُّفُوسِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] فَلَوْ سَقَطَ بِالْمُثَقَّلِ لَمَا انْحَرَسَتِ النُّفُوسُ، وَلَسَارَعَ كُلُّ مَنْ يُرِيدُ الْقَتْلَ إِلَى الْمُثَقَّلِ ثِقَةً بِسُقُوطِ الْقَوَدِ وَمَا أَدَّى إِلَى إِبْطَالِ مَعْنَى النَّصِّ كَانَ مُطَّرَحًا فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ " فَظَاهِرُهُ حَالَ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالسَّيْفِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ، وَقَوْلُهُ: " كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٍ إِلَّا السَّيْفَ " فَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ " كُلُّ شَيْءٍ مِنْ خَطَأٍ إِلَّا السَّيْفَ " وَهَذَا أَوْلَى لِزِيَادَتِهِ، وَلَوْ لَمْ تُنْقَلِ الزِّيَادَةُ لَكَانَ الْخَبَرُ مَحْمُولًا عَلَيْهِ بِأَدِلَّتِنَا، وَقَوْلُهُ " أَلَا إِنَّ فِي قَتِيلِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةً مِنَ الإِبِلِ " فَلَا دَلِيلَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَعَلَ فِي عَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا الدِّيَةَ، وَلَمْ يَجْعَلِ السَّوْطَ وَالْعَصَا عَمْدًا خَطَأً.

وَالثَّانِي: مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ فِي السَّوْطِ وَالْعَصَا عَمْدًا خَطَأً، وَلَيْسَ بِمَانِعٍ أَنْ يَكُونَ عَمْدًا مَحْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَنَوَّعُ، وَالسَّيْفُ لَا يَتَنَوَّعُ، وَقَدْ دَفَعْنَا حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ بِرِوَايَةِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ،.

وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالْجَمْعِ بَيْنَ صَغِيرِ الْمُثَقَّلِ وَكَبِيرِهِ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ كَمَا جَمَعَ بَيْنَ صَغِيرِ الْمُحَدَّدِ وَكَبِيرِهِ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ صَغِيرُ الْمُحَدَّدِ وَكَبِيرُهُ يَقْتُلُ غَالِبًا فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَصَغِيرُ الْمُثَقَّلِ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَيَقْتُلُ كَبِيرُهُ فِي الْغَالِبِ فَافْتَرَقَا.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ قَوَدًا فَالْمُثَقَّلُ يَنْقَسِمُ ثمانية أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: قَتْلُ مِثْلِهِ فِي الْأَغْلَبِ كَالصَّخْرَةِ الثَّقِيلَةِ وَالْخَشَبَةِ الْكَبِيرَةِ، وَيَقْتُلُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ وَقَعَتْ عَلَيْهِ مِنَ الجَسَدِ وَعَلَى مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، فَالْقَوَدُ وَاجِبٌ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ فِي الْغَالِبِ كَالْحَصَاةِ مِثْلُ النَّوَاةِ وَالْخَشَبَةِ مِثْلُ الْقَلَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>