[(باب الخيار في القصاص)]
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُقْبُرِيَّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " ثُمَّ أَنْتُمْ يَا بَنِي خُزَاعَةُ قَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَأَنَا وَاللَّهِ عَاقِلُهُ فَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا بَعْدَهُ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا وَإِنْ أحبوا أخذوا الْعَقْلَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَتْلُ الْعَمْدِ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ وَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ إِلَى الدِّيَةِ، وَلَا يَفْتَقِرَ إِلَى مُرَاضَاةِ الْقَاتِلِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: قَتْلُ الْعَمْدِ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ وَحْدَهُ وَلَا تَجِبُ لَهُ الدِّيَةُ إِلَّا بِمُرَاضَاةِ الْقَاتِلِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنْ لَا يَجِبَ فِي النَّفْسِ غَيْرُ النَّفْسِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: ١٧٨] وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْقِصَاصِ إِيجَابُ مَا لَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الأَبْدَالِ إِلَّا عَنْ مُرَاضَاةٍ.
وَلِأَنَّ الْقَتْلَ مُوجِبٌ للقود في عمده والدية في خطأه، فَلَمَّا لَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ عَنِ الدِّيَةِ فِي خطأ إِلَى غَيْرِهَا إِلَّا عَنْ مُرَاضَاةٍ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُعْدَلَ عَنِ الْقَوَدِ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا عَنْ مُرَاضَاةٍ.
وَلِأَنَّ الْقَتْلَ يُسْتَحَقُّ بِالْقَوَدِ تَارَةً، وَبِالدَّفْعِ عَنِ النَّفْسِ أُخْرَى، فَلَمَّا لَمْ يُمْلَكْ بَدَلُ قَتْلِهِ دَفْعًا لَمْ يُمْلَكْ بَدَلُ قَتْلِهِ قَوَدًا.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨] مَعْنَاهُ فَمَنْ عَفَا لَهُ عَنِ الْقِصَاصِ فَلْيُتْبِعِ الْوَلِيُّ الدِّيَةَ بِمَعْرُوفٍ، وَيُؤَدِّيَهَا الْقَاتِلُ بِإِحْسَانٍ فَجَعَلَ لِلْوَلِيِّ الْإِتْبَاعَ، وَعَلَى الْقَاتِلِ الْأَدَاءُ فَلَمَّا تَفَرَّدَ الْقَاتِلُ بِالْأَدَاءِ وَجَبَ أَنْ يَنْفَرِدَ الْوَلِيُّ بِالْإِتْبَاعِ وَلَا يَقِفَ عَلَى الْمُرَاضَاةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute