للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَهْدُومًا لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّفَرُّدُ بِهَدْمِهِ، وَإِنْ كانت قيمته نَقْضِهِ وَآلَتِهِ مِثْلَ قِيمَتِهِ قَائِمًا أَوْ أَكْثَرَ سُئِلَ عَنْهُ أَهْلُ الْمِصْرِ مَنْ يَعْرِفُ الْأَبْنِيَةَ فَإِنْ قَالُوا: إِنَّ سُقُوطَهُ يُتَعَجَّلُ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى انْتِصَابِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهَدْمِهِ لِحَسْمِ ضَرَرِهِ، وَإِنْ قَالُوا: إِنَّهُ قَدْ يَلْبَثُ عَلَى انْتِصَابِهِ وَلَا يُتَعَجَّلُ سُقُوطُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهَدْمِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَمِيلَ إِلَى أَحَدِ الدَّارَيْنِ فَلِلَّذِي مَالَ إِلَى دَارِهِ أَنْ يَأْخُذَ شَرِيكُهُ بِهَدْمِهِ، وَلَهُ إِنِ امْتَنَعَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهَدْمِهِ لِحُصُولِهِ فِيمَا قَدِ اخْتَصَّ بِمِلْكِهِ مِنْ هَوَاءِ دَارِهِ، وَلَيْسَ لِلَّذِي لَمْ يَمِلْ إِلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ شَرِيكَهُ بِهَدْمِهِ، وَلَا لَهُ أَيْضًا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهَدْمِهِ وَالْتِزَامِ مؤونته، لِأَنَّهُ قَدْ أُمِنَ مَيْلُهُ إِلَى غَيْرِ مِلْكِهِ أَنْ يَسْقُطَ إِلَى دَارِهِ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا أَشْرَعَ مِنْ دَارِهِ جَنَاحًا عَلَى طَرِيقٍ نَافِذَةٍ جَازَ إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِمَارٍّ وَلَا مُجْتَازٍ، وَكَذَلِكَ إذا أراد إخراج سياطاً يمده على عرض الطريق مكن إن لم يضر ومنع إن أضر، فاختلف أَصْحَابُنَا فِي حَدِّ ضَرَرِهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ بْنُ حَرْبَوَيْهِ مَا نَالَهُ رُمْحُ الْفَارِسِ مُضِرٌّ، وَمَا لَمْ يَنَلْهُ رُمْحُهُ غَيْرُ مُضِرٍّ.

وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: إِنَّ مَا لَا يَنَالُهُ أَشْرَفُ الْجِمَالِ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا أَعْلَى الْعَمَارِيَّاتِ فَهُوَ غَيْرُ مُضِرٍّ وَمَا يَنَالُهُ ذَلِكَ فَهُوَ مُضِرٌّ، وَهَذَا الْحَدُّ عِنْدِي عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا بِأَحْوَالِ الْبِلَادِ، فَمَا كَانَ مِنْهَا تَسْلُكُهُ جِمَالُ الْعَمَارِيَّاتِ [كَانَ هَذَا حَدَّ ضَرَرِهِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا لَا تَسْلُكُهُ جِمَالُ الْعَمَارِيَّاتِ وَتَسْلُكُهُ الْأَجْمَالُ] كَانَ الْجَمَلُ بِحِمْلِهِ حَدَّ ضَرَرِهِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا لَا تَسْلُكُهُ الْجِمَالُ وَتَسْلُكُهُ الْخَيْلُ بِفُرْسَانِهَا كَانَ أَشْرَفُ الْفُرْسَانِ عَلَى أَشْرَفِ الْخَيْلِ حَدَّ ضَرَرِهِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا لَا تَسْلُكُهُ الْخَيْلُ وَلَا الرُّكَّابُ كَجَزَائِرَ فِي الْبَحْرِ وَقُرًى فِي الْبَطَائِحِ كَانَ أَطْوَلُ الرِّجَالِ بِأَعْلَى حِمْلٍ عَلَى رَأْسِهِ هُوَ حَدُّ ضَرَرِهِ؛ لِأَنَّ عُرْفَ كُلِّ بَلَدٍ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا مِنْ عُرْفِ مَا عَدَاهُ، إِذَا كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ فِيهِ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُضِرٍّ أُقِرَّ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ وَلَا يَمْنَعَهُ مِنْهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقَرُّ عَلَى مَا لَا يَضُرُّ إِذَا لَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمْ مُنِعَ مِنْهُ وَأُخِذَ بِقَلْعِهِ احْتِجَاجًا بِأَنَّهُ لَمَّا مُنِعَ مِنْ بِنَاءِ دَكَّةً فِي عَرْصَةِ الطَّرِيقِ مُنِعَ مِنْ إِشْرَاعِ جَنَاحٍ فِي هَوَائِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَّ بِدَارِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَطَرَ عَلَيْهِ مِنْ مِيزَابِهَا مَاءٌ فَأَمَرَ بِقَلْعِهِ، فَخَرَجَ الْعَبَّاسُ وَقَالَ: قَلَعْتَ مِيزَابًا نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَا صَعِدَ مَنْ يُعِيدُ هَذَا الْمِيزَابَ إِلَّا عَلَى ظَهْرِي

<<  <  ج: ص:  >  >>