مِنَ التَّزَاوِيقِ وَالزَّخْرَفَةِ لِأَنَّ الزِّوَاقَ مِنْ جُمْلَةِ الْبِنَاءِ وَقَدْ ذَكَرَهُ مِنْ قَبْلُ فَعَلَى هَذَا إِذَا زَوَّقَ دَارًا مَغْصُوبَةً فَلَا يَخْلُو حَالُ مَالِكِهَا وَغَاصِبِهَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَرْكِ التَّزَاوِيقِ لِحَالِهَا فَذَلِكَ لَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَحْظُورٌ مِنْ صُوَرٍ ذات أرواح فلا يجوز تركها.
والحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى قَلْعِهَا وَإِزَالَتِهَا فَذَلِكَ لَهَا سَوَاءٌ انْتَفَعَ الْغَاصِبُ بِالْقَلْعِ أَمْ لَا ثُمَّ إِنْ أَثَّرَ الْقَلْعُ فِي الْحِيطَانِ نَقْصًا فعلى الغاصب غرامة أرشه.
والحال الثالث: أَنْ يَدْعُوَ الْغَاصِبُ إِلَى قَلْعِهَا وَيَأْبَى رَبُّ الدَّارِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَرْجُوعٌ بَعْدَ الْقَلْعِ فَلِلْغَاصِبِ قَلْعُهَا لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَرْجُوعٌ فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ قَلْعُهَا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِقَلْعِهَا إِلَّا إِتْعَابَ نَفْسِهِ وَأَعْوَانِهِ وإذهاب نفقته.
والحال الرابع: أَنْ يَدْعُوَ رَبُّ الدَّارِ إِلَى قَلْعِهَا وَيَأْبَى الغاصب فإن كانت تَرْكُهَا مُوكِسًا لِلدَّارِ أُجْبِرَ الْغَاصِبُ عَلَى الْقَلْعِ وَغَرَامَةِ الْأَرْشِ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مُوكِسًا فَإِنْ تَرَكَهُ الْغَاصِبُ مُسْتَبْقِيًا لَهُ عَلَى مِلْكِهِ أُجْبِرَ عَلَى الْقَلْعِ وَإِنْ تَرَكَهُ مُزِيلًا لِمُلْكِهِ عَنْهُ فَإِنْ كَانَتْ آثَارًا كَالْأَصْبَاغِ وَلَمْ تَكُنْ أَعْيَانًا لَمْ يُجْبَرِ الْغَاصِبُ عَلَى إِزَالَتِهَا لِأَنَّهَا آثَارٌ زَائِدَةٌ كَغَسْلِ الثَّوْبِ وَكَانَ الْعَفْوُ عَنْهَا إِبْرَاءً مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانًا كَالْجَصِّ وَالرُّخَامِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تُتْرَكُ كَالْآثَارِ وَلَا يُجْبَرُ الْغَاصِبُ عَلَى قَلْعِهَا لِأَنَّهَا زِيَادَةُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْغَاصِبُ بِقَلْعِهَا لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَى تَمَلُّكِهَا وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مِنَ الزَّوْجِ إِذَا أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ ثَمَرَةً وَجَعَلَهَا فِي صُفْرٍ لَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ لِزَوْجَتِهِ هَلْ تُجْبَرُ الزَّوْجَةُ عَلَى قَبُولِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَكَذَلِكَ لَوْ نَقَلَ عَنْهَا تُرَابًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا نَقَلَ عَنْهَا حَتَّى يُوَفِّيَهُ إِيَّاهَا بِالْحَالِ الَّتِي أخذها (قال المزني) غير هذا أشبه بقوله لأنه يقول لو غصب غزلاً فنسجه ثوباً أو نقرةً فطبعها دنانير أو طيناً فضربه لبناً فهذا أثر لا عينٌ ومنفعةٌ للمغصوب ولا حق في ذلك للغاصب فكذلك نقل التراب عن الأرض والبئر إذا لم تبن بطوبٍ أثرٌ لا عينٌ ومنفعةٌ للمغصوب ولا حق في ذلك للغاصب مع أن هذا فسادٌ لنفقته وإتعاب بدنه وأعوانه بما فيه مضرةٌ على أخيه ولا منفعة له فيه ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا فَنَقَلَ مِنْهَا تُرَابًا فَلَا يَخْلُو حَالُ التُّرَابِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا فَإِنْ كَانَ قَدِ اسْتُهْلِكَ فَعَلَيْهِ رَدُّ مثله إن كان للتراب مثلاً فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِثْلِهِ لِأَنَّهُ مِنْ تُرَابٍ لَيْسَ فِي النَّاحِيَةِ مِثْلُهَا ضَمِنَ الْقِيمَةَ وفيها وجهان: