للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَحَّ رَدُّهُ، وَلَمْ يَفْتَقِرِ الرَّدُّ إِلَى الْقَبُولِ، وإن كان ملكا، ثُمَّ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ بَعْدَ الرَّدِّ تَرِكَةً.

فَصْلٌ:

وإذا رد الوصية بما يدل لَهُ عَلَى الرَّدِّ:

لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ الْمَالَ، ولم يبطل حقه في الْوَصِيَّةِ بِالرَّدِّ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَمْلِكُ الْمَالَ، وَيَصِحُّ الرد، ومثله يقول في الشفعة، إذا عفى عَنْهَا عَلَى مَالٍ بُذِلَ لَهُ.

وَهَذَا خَطَأٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: لِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ عَلَى مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ كَالْبَيْعِ - وَاللَّهُ أعلم -.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ولو أوصى له بثلث شيء، بعينه استحق ثلثاه كان له الثلث الباقي إن احتمله ثلثه ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ دَارٍ هُوَ فِي الظَّاهِرِ مَالِكٌ لِجَمِيعِهَا، فَاسْتُحِقَّ ثُلُثَا الدَّارِ، وَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي ثُلُثُهَا.

فَالثُّلُثُ كان الموصى لَهُ إِذَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ. وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الثُّلُثِ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ: لَمَّا أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِهَا، وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ مَالِكٌ لِجَمِيعِهَا، تَنَاوَلَتِ الْوَصِيَّةُ ثُلُثَ مِلْكِهِ مِنْهَا، فَإِذَا بَانَ أَنَّ مِلْكَهُ مِنْهَا الثُّلُثُ، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الثُّلُثِ، لِأَنَّهُ كَانَ مِلْكَهُ مِنْهَا، كَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ ماله، وهو ثلاث مائة درهم، فاستحق منها مائتان كانت الوصية بثلث المائة الباقية.

وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ مَا طَرَأَ مِنِ اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثَيْنِ، لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ أن يكون عند الوصية غير ملكه لِلثُّلْثَيْنِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لَهُ بثلث دار قدر ملكه: كَانَ لَهُ جَمِيعُ الثُّلُثِ إِذَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ، كَذَلِكَ إِذَا أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِهَا، فَاسْتَحَقَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْهَا.

وَالثَّانِي: هُوَ أَنَّ رَفْعَ يَدِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ كَزَوَالِ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ منها ما بقي من ثلثها صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِكُلِّ الثُّلُثِ الْبَاقِي بَعْدَ الْبَيْعِ، فكذلك تصح الوصية بِالثُّلُثِ الْبَاقِي بَعْدَ الْمُسْتَحَقِّ، وَلَيْسَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِثُلُثِ الْمَالِ وَجْهٌ. لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تُعْتَبَرْ إِلَّا فِي ثُلُثِ مِلْكِهِ، وَمِلْكُهُ هُوَ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ.

وَلَوْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالدَّارِ فَقَالَ: قَدْ أَوْصَيْتُ لَكَ بِثُلُثِ مِلْكِي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَاسْتَحَقَّ ثُلُثَاهَا كَانَ لَهُ ثُلُثُ ثُلُثِهَا الْبَاقِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَهُ جَمِيعَ الثُّلُثِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثَيْنِ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْوَصَايَا فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الِاسْتِحْقَاقِ:

" وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ، فَأَذْهَبَ السَّيْلُ ثُلُثَيْهَا، وَبَقِيَ ثُلُثُهَا، فَالثُّلُثُ الْبَاقِي

<<  <  ج: ص:  >  >>