للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ، لِمَنْ دَخَلَ فِي فَرْضِ تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ أَهْلَ ذَلِكَ الْعَصْرِ، فَجَازَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجُزْ لِمَنْ بَعْدُ، ثُمَّ يُقَالُ لأبي حنيفة: قَدْ جَوَّزْتَ الصَّلَاةَ عَلَى الْقَبْرِ لِلْإِمَامِ وَالْوَلِيِّ، فَلَوْ جَازَ التَّيَمُّمُ لَهَا خَوْفًا مِنْ فَوَاتِهَا لَاقْتَضَى أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْإِمَامِ وَالْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُهُمَا، وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ لَهُمَا كَمَا أَجَازَهُ لِغَيْرِهِمَا، فَدَلَّ عَلَى فَسَادِ مَا اعْتَلَّ بِهِ مِنَ الْفَوَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ: غُسْلُ وَوُضُوءُ مَنْ لَدَيْهِ بَعْضُ مَاءٍ لا يكفيه) .

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفَرِ مِنَ الْمَاءِ مَا لَا يَغْسِلُهُ لِلْجَنَابَةِ غَسَلَ أَيَّ بَدَنِهِ شاء وتيمم وصلى وَقَالَ فِي موضعٍ آخَرَ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَغْسِلُ مِنْ أَعْضَائِهِ شَيْئَا وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ لِأَنَّ الماء لا يطهر بدنه (قال المزني) قلت أنا هذا أشبه بالحق عندي لأن كل بدلٍ لعدمٍ فحكم ما وجد من بعض المعدوم حكم العدم كالقاتل خطأً يجد بعض رقبةٍ فحكم البعض كحكم العدم وليس عليه إلا البدل ولو لزمه غسل بعضه لوجود بعض الماء وكمال البدل لزمه عتق بعض رقبةٍ لوجود البعض وكمال البدل ولا يقول بهذا أحدٌ نعلمه وفي ذلك دليلٌ وبالله التوفيق ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا وَجَدَ مِنَ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ، أَوْ وَجَدَ الْمُحْدِثُ مَا لَا يَكْفِيهِ لِأَعْضَاءِ وُضُوئِهِ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: إِنَّ فَرْضَهُ التَّيَمُّمُ، وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُ مَا وَجَدَ مِنَ الْمَاءِ وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ إِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْمَاءَ وَيَتَيَمَّمَ، لَا يُجْزِئُهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ، فَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ عَنْهُ اقْتِصَارًا عَلَى التَّيَمُّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) {المائدة: ٦) ثُمَّ قَالَ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} إِشَارَةً إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِهِ مِنَ الْمَاءِ الْمَشْرُوعِ فِي الِاسْتِعْمَالِ لِجَمِيعِ الْأَعْضَاءِ؛ وَلِأَنَّ في استعمال الماء والتيمم جميعاً بَيْنَ بَدَلٍ وَمُبْدَلٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْأُصُولِ لَا يَلْزَمُ كَالْعِتْقِ وَالصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَلِأَنَّ عدم بعض الكل كَعَدَمِ جَمِيعِهِ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ إِلَى الْبَدَلِ قِيَاسًا عَلَى الْوَاجِدِ لِبَعْضِ الرَّقَبَةِ يَكُونُ كَالْعَادِمِ لِجَمِيعِهَا فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ إِلَى الصَّوْمِ، وَهُوَ اسْتِدْلَالُ الْمُزَنِيِّ.

وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) {المائدة: ٦) ، فَجَعَلَ التَّيَمُّمَ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ مَا ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ النَّكِرَةِ بِحَرْفِ النَّفْيِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا بِمَا يَنْطَلِقُ اسْمُ الْمَاءِ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَبِي ذَرٍّ: " الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ مَنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ طَهُورًا لِمَنْ وَجَدَ شَيْئًا مِنَ الْمَاءِ، وَلِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ إِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>