قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ نَفَقَتِهِمْ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَشْتَرِطَا مَحَلَّهَا فِي الْعَقْدِ، أَوْ يُغْفِلَاهُ، فَإِنْ شَرَطَا مَحَلَّهَا لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يُشْرَطَ عَلَى الْعَامِلِ، فَهَذَا جَائِزٌ لِأَنَّ الْعَمَلَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَجَازَ أَنْ تَكُونَ نَفَقَةُ الْغِلْمَانِ فِي النَّخْلِ مَشْرُوطَةً عَلَيْهِ كَمَا كَانَتْ أَجُورُ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُمْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُشْرَطَ عَلَى رَبِّ النَّخْلِ فَهَذَا جَائِزٌ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْعَمَلَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى غَيْرِهِ.
وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بِالشَّرْطِ أَنْ يَعْمَلُوا مَعَ الْعَامِلِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا مَعَهُ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَشْرُطَ مِنْ وَسَطِ الثَّمَرَةِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُمْ قَبْلَ حُدُوثِ الثَّمَرَةِ فَهَذَا شَرْطٌ بَاطِلٌ لِعَدَمِ مَحَلِّهَا، وَإِنَّ مَا لَمْ يُخْلَقْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَلَى عَمَلٍ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُمْ بَعْدَ حُدُوثِ الثَّمَرَةِ فَهَذَا على ضربين:
أحدهما: أن تكون نفقتهم منغير جنس الثمرة لتباع الثمرة فيصرف ثَمَنُهَا فِي نَفَقَتِهِمْ فَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ، وَالنَّفَقَةَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي الذِّمَّةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ نَفَقَاتُهُمْ مِنْ نَفْسِ الثَّمَرَةِ يَأْكُلُونَهَا قُوتًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَائِزٌ لِوُجُودِ مَحَلِّهَا، وَأَنَّ الثَّمَرَةَ لِمَا كَانَتْ لهما، جاز اشْتِرَاطُ النَّفَقَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَازَ اشْتِرَاطُهَا فِي الثَّمَرَةِ الَّتِي هِيَ لَهُمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِذِمَّةٍ، وَلَا مَعْلُومٍ مُسْتَحَقٍّ مِنْ عَيْنٍ، وَهَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ.
فَصْلٌ
: فَإِنْ أَغْفَلَا اشْتِرَاطَ النَّفَقَةِ، فَفِي الْمُسَاقَاةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلَةٌ، لِلْجَهْلِ بِمَحَلِّ النَّفَقَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: جَائِزَةٌ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَبَعٌ لِلْعَقْدِ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِهَا الْعَقْدُ فَعَلَى هَذَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا عَلَى الْعَامِلِ، لِاسْتِحْقَاقِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا عَلَى رَبِّ النَّخْلِ لِاشْتِرَاطِ عَمَلِهِمْ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَتْ أُجْرَتُهُمْ عَنِ الْعَامِلِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُمْ عَنْهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا مِنْ وَسَطِ الثَّمَرَةِ، لِاخْتِصَاصِ عَمَلِهِمْ بِهَا، فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ تَأْتِ الثَّمَرَةُ أَخَذَ بِهَا السَّيِّدُ حَتَّى يَرْجِعَ بِهَا فِي الثمرة إذا أتت والله أعلم بالصواب.