للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِيهِ بِرِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فدعاهم، وجزأهم ثلاثة أجزاء، فأعتق اثنين وأرق أربعة، وهذا نص يدفع كل خلاف.

فإن أَعْتَقَ الْمَرِيضُ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ كَانَ عِتْقُهُ مُعْتَبَرًا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، كَمَا يَكُونُ عِتْقُ الصَّحِيحِ مِنْ كُلِّ مَالِهِ، وَيَسْرِي عِتْقُهُ إِلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ إِذَا احْتَمَلَهَا الثُّلُثُ، كَمَا يَسْرِي عِتْقُ الصَّحِيحِ إِذَا احْتَمَلَهُ كُلُّ مَالِهِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الثُّلُثِ مِنْ خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَتَّسِعَ الثُّلُثُ لِعِتْقِ الْمُبَاشَرَةِ، وَعِتْقِ السِّرَايَةِ، فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي جَمِيعِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ ثُمَّ بِالسِّرَايَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ثُلُثِهِ قِيمَةُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ، وَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ وَلَائِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَعْجِزَ الثُّلُثُ عَنْ عِتْقِ الْمُبَاشَرَةِ، وَعِتْقِ السِّرَايَةِ لِاسْتِحْقَاقِ تَرِكَتِهِ فِي دينِهِ، وَيُرَدُّ عِتْقُهُ فِي جَمِيعِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَبِالسِّرَايَةِ، وَيَعُودُ إِلَى الرِّقِّ، وَيُبَاعُ فِي الدَّيْنِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَتَّسِعَ الثُّلُثُ لِأَحَدِ الْمُعْتَقِينَ، وَيَعْجِزَ عَنِ الْآخَرِ، فَيَجْعَلُ الثُّلُثَ مَصْرُوفًا فِي عِتْقِ الْمُبَاشَرَةِ دُونَ عِتْقِ السِّرَايَةِ، لِأَنَّ عِتْقَ الْمُبَاشَرَةِ أَصْلٌ وَعَتَقَ السِّرَايَةِ فَرْعٌ كَعِتْقِ الْمُعْسِرِ.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَتَّسِعَ الثُّلُثُ لِأَحَدِهِمَا، وَبَعْضِ الْآخَرِ، فَيُكْمَلُ عِتْقُ الْمُبَاشَرَةِ، وَيُجْعَلُ النَّقْصُ فِي عِتْقِ السِّرَايَةِ كَعِتْقِ مَنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ.

وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: أَنْ يَتَّسِعَ الثُّلُثُ لِبَعْضِ أَحَدِهِمَا، وَيَعْجِزَ عَنِ الْبَاقِي، فَيُجْعَلُ الْبَعْضُ نَافِذًا فِي عِتْقِ المباشرة، ويرد الباقي في عتق المباشر، وَيُبْطَلُ عِتْقُ السِّرَايَةِ، فَلَوْ قَالَ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نُمْضِي عِتْقَ الْمُبَاشَرَةِ، وَنَغْرَمُ عِتْقَ السِّرَايَةِ كَانَ لَهُمْ تَكْمِيلُ الْعِتْقِ فِي الْمُبَاشَرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَجَاوُزُهُ إِلَى عِتْقِ السِّرَايَةِ، لِأَنَّ الْمُعْتِقَ مُعْسِرٌ بِهِ، وَهُوَ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ فِي جِنَايَةٍ مُنِعَ، فَكَانَ وَرَثَتُهُ بِالْمَنْعِ أَحَقُّ.

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ نَصِيبٍ مِنْ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يُعْتَقْ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْهُ إِلَّا مَا أَوْصَى بِهِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ: إِذَا وَصَّى بِعِتْقِ شِرْكٍ لَهُ فِي عَبْدٍ أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَانَ عِتْقُ حِصَّتِهِ مُعْتَبَرًا فِي ثُلُثِهِ، وَمُسْتَحَقٌّ تَحْرِيرُهَا عَلَى وَرَثَتِهِ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ حَتَّى يَعْتِقَهَا الْوَرَثَةُ عنه، لو قَالَ: إِذَا مُتُّ، فَنَصِيبِي مِنْهُ حُرٌّ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ عِتْقُ الْوَرَثَةِ لَهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَوْتَ فِي هَذَا صِفَةً للعتق، وجعل

<<  <  ج: ص:  >  >>