وهذا صحيح إذ صَلَّى الْأَعْمَى بِاجْتِهَادِ بَصِيرٍ ثُمَّ أَخْبَرَ الضَّرِيرَ بِيَقِينِ الْخَطَأِ الْمُجْتَهِدِ لَهُ، فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ كَالْبَصِيرِ:
أَحَدُهُمَا: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ
وَالثَّانِي: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ دِلَالَةَ الْأَعْمَى عَلَى الْقِبْلَةِ قَوْلُ الْبَصِيرِ، كَمَا أَنَّ دِلَالَةَ الْبَصِيرِ مُشَاهَدَةُ الْعَلَامَاتِ فَإِذَا وَقَعَ الْخَطَأُ فِي دَلَائِلِ الْبَصِيرِ، وَقَعَ فِي دَلِيلِ الْأَعْمَى، ثُمَّ اسْتَوَيَا فِي حُكْمِ الْإِعَادَةِ وَسُقُوطِهَا، فَأَمَّا إِنْ أَخْبَرَهُ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ لَهُ فَذَلِكَ ضربان:
أحدهما: أن يكون خبراً متوتراً، فَفِي الْإِعَادَةِ أَيْضًا قَوْلَانِ كَمَا مَضَى
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ خَبَرَ وَاحِدٍ وَقَعَ فِي النَّفْسِ صِدْقُهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ الْخَطَأَ، كَمَا يَتَيَقَّنُهُ الْبَصِيرُ بِمُشَاهَدَتِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: بَلْ تَكُونُ الْإِعَادَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ إِذَا كَانَ الْمُخْبِرُ غَيْرَ مُجْتَهِدٍ
(مَسْأَلَةٌ)
: قَالَ الشافعي: " وَإِنْ كَانَ شَرْقًا ثُمَّ رَأَى أَنَّهُ مُنْحَرِفٌ وَتِلْكَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرِفَ ويعتد بما مضى وإن كان معه أعمى ينحرف بانحرافه "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: " وَصُورَتُهَا: فِي رَجُلٍ اسْتَيْقَنَ الشَّرْقَ بِصَلَاتِهِ مُجْتَهِدًا ثُمَّ بَانَ لَهُ فِي أَثْنَائِهَا أَنَّهُ مُنْحَرِفٌ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الِانْحِرَافُ وَالْجِهَةُ وَاحِدَةً
وَالثَّانِي: يَكُونُ الِانْحِرَافُ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ مُنْحَرِفًا وَالْجِهَةُ وَاحِدَةٌ فَإِنْ كَانَ مُتَيَامِنًا عَنْهَا قَلِيلًا، وَمُتَيَاسِرًا عَنْهَا، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الِانْحِرَافُ مِنْ جِهَةِ الْيَقِينِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الِاجْتِهَادِ، فَإِنْ بَانَ لَهُ الِانْحِرَافُ مِنْ جِهَةِ الْيَقِينِ تَحَرَّفَ إِلَى حَيْثُ بَانَ لَهُ مَنْ تَيَامَنَ، أَوْ تَيَاسَرَ، وَبَنَى عَلَى صِلَاتِهِ، لِأَنَّ الْجِهَةَ وَاحِدَةٌ فَلَمْ يَكُنِ الِانْحِرَافُ فِيهَا مَانِعًا مِنْ جَوَازِ الْبِنَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَإِنْ بَانَ لَهُ الِانْحِرَافُ مِنْ جِهَةِ الِاجْتِهَادِ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ يَلْزَمُهُ الِانْحِرَافُ إِلَى حَيْثُ بَانَ لَهُ، وَيُبْنَى عَلَى صَلَاتِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ الِانْحِرَافُ وَيُبْنَى عَلَى حَالِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ إِلَى الْجِهَةِ بِالِاجْتِهَادِ فَلَمْ يَنْحَرِفْ عَنْهَا بِاجْتِهَادٍ
(فَصْلٌ)
: وَإِنْ كَانَ الِانْحِرَافُ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى إِمَّا مُسْتَدْبِرًا، أَوْ يُمْنَةً، أَوْ يُسْرَةً لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ يَقِينٍ، أَوِ اجْتِهَادٍ، فَإِنْ كَانَ عَنْ يَقِينٍ اسْتَدَارَ إِلَيْهَا وَهَلْ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ يَسْتَأْنِفُهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: