وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ إِتْيَانَ الْبَهِيمَةِ مُوجِبٌ لِحَدِّ الزِّنَا، لَمْ تُقْتَلِ الْبَهِيمَةُ، وَوَجَبَ فِي الْقَذْفِ بِهَا الْحَدُّ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ مُوجِبٌ لِلتَّعْزِيرِ لَمْ يَجِبْ فِي الْقَذْفِ بِهَا حَدٌّ، وَعُزِّرَ الْقَاذِفُ كَمَا يُعَزَّرُ الْفَاعِلُ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: يُحَدُّ الْقَاذِفُ وَإِنْ عُزِّرَ الْفَاعِلُ.
وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ بِالْفِعْلِ أَخَفُّ مِنْ حَدِّ الْفِعْلِ، فَلَمَّا لَمْ يُجْزِ الْفِعْلُ حَدٌّ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ فِي الْقَذْفِ بِهِ.
(فَصْلٌ)
: وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: الِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ. وَهُوَ حَرَامٌ.
وَذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ إِلَى إِبَاحَتِهِ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الْفُجُورِ، وَيَبْعَثُ عَلَى غَضِّ الطَّرْفِ.
وَهَذَا فَاسِدٌ لقوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فإنهم غير ملومين فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} .
فَصَارَ الْمُسْتَمْنِي مَنْسُوبًا إِلَى الْعُدْوَانِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ لِأَجْلِ التَّنَاسُلِ وَالتَّكَاثُرِ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَنَاكَحُوا تَكَاثَرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى بِالسَّقْطِ ".
وَقَالَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْلَا الِاسْتِيلَادُ لَمَا تَزَوَّجْتُ.
وَالِاسْتِمْنَاءُ بَعِيدٌ عَنِ النَّاكِحِ، وَيَمْنَعُ مِنَ التَّنَاسُلِ فَكَانَ مَحْظُورًا لَكِنَّهُ مِنْ صَغَائِرِ الْمَعَاصِي، فَيُنْهَى عَنْهُ الْفَاعِلُ، وَإِنْ عَادَ بَعْدَ النَّهْيِ عُزِّرَ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شُهُودُ الزِّنَا، وَيَقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَيْنِ، وَإِنِ اسْتَحَقَّ فِيهِ التَّعْزِيرُ بَعْدَ النَّهْيِ، وَلَا يُجِبْ فِي الْقَذْفِ بِهِ حَدٌّ وَلَا تَعْزِيرٌ إِنْ لَمْ يُعَزَّرِ الْفَاعِلُ.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي صِفَةِ الزِّنَا.
فَلَا يُقْتَنَعُ مِنَ الشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا بِالزِّنَا حَتَّى يَصِفُوهُ. لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ الْفَرْجُ ".
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَثْبَتَ مَاعِزًا بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِالزِّنَا فَقَالَ " لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ لَعَلَّكَ لَمَسْتَ " قَالَ: فَعَلْتُ، بِصَرِيحِ اللَّفْظِ دُونَ كِنَايَتِهِ.
فَإِذَا لَزِمَ ذَلِكَ فِي الْمُقِرِّ كَانَ فِي الشَّاهِدِ أَحَقُّ.