قِيلَ إِنَّ النَّهْيَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْغَايَتَيْنِ لِمَعْنًى غَيْرِ الْغَايَةِ الْأُخْرَى فَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَشْتَدَّ لِأَنْ يَنْجُوَ مِنَ الْعَاهَةِ، وَعَنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَفْرَكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ بِفَقْدِ الرُّؤْيَةِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ وَهِيَ بَعْدَ الْحَمْلِ وَوُجُودِ الْحَيْضِ لَا تَحِلُّ حَتَّى تَغْتَسِلَ بَعْدَ مُضِيِّ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ إِلَّا أَنَّ النَّهْيَ الْأَوَّلَ لِحِفْظِ النَّسَبِ، وَالنَّهْيَ بَعْدَهُ لِأَجْلِ الْأَذَى وَهَذَا أَصِلٌ فَلِهَذَا بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِيهِ وَبِمِثْلِهِ يَكُونُ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَعَ تَفَرُّدِ أَيُّوبَ بِرِوَايَتِهِ.
أَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِأَنَّ تَرْكَهُ السُّنْبُلَ إِبْقَاءً كَتَرْكِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرِهِ فَجَمْعٌ لَا يَسْلَمُ لِوُجُودِ الْفَرْقِ بِتَرْكِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرِهِ، وَتَصْفِيَةِ الْبُرِّ مِنْ سُنْبُلِهِ فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْعُرْفُ فِيهَا اخْتَلَفَ حُكْمُ مَا مَنَعَ مِنْ رُؤْيَتِهِمَا.
مَسْأَلَةٌ:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَعَلَى الْجَوْزِ قِشْرَتَانِ وَاحِدَةٌ فَوْقَ الْقِشْرَةِ الَّتِي يَرْفَعُهَا النَّاسُ عَنْهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَعَلَيْهِ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يُرْفَعَ بِدُونِ الْعُلْيَا وَكَذَلِكَ الرَّانِجُ وَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ قِشْرَتَانِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ فِي قِشْرَتَيْهِ مَعًا يَابِسًا كَانَ أَوْ رَطْبًا، فَإِذَا زَالَتِ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا جَازَ بَيْعُهُ بِالْقِشْرَةِ الْبَاقِيَةِ لِأَنَّهُ يُدَّخَرُ فِيهَا رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا، وَكَذَلِكَ الرَّانِجُ وَهُوَ النَّارِجِيلُ يَكُونُ عَلَيْهِ قِشْرَتَانِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا وَإِذَا أُزِيلَتْ عَنْهُ جَازَ بَيْعُهُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ يُدَّخَرُ فِيهَا.
فَأَمَّا اللَّوْزُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَاقِلَّى عَلَيْهِ قِشْرَتَانِ فَإِنْ كَانَ مُشْتَدًّا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فِي قِشْرَتَيْهِ حَتَّى تَزُولَ عَنْهُ الْعُلْيَا ثُمَّ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الثَّانِيَةِ.
وَإِنْ كَانَ رَطْبًا فَفِي جَوَازِ بَيْعِهِ فِي قِشْرَتَيْهِ وَجْهَانِ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي بَيْعِ الْبَاقِلَّى الرَّطْبِ لِأَنَّ قِشْرَةَ اللَّوْزِ الْعُلْيَا يُسْتَطَابُ أَكْلُهَا مَعَ اللَّوْزِ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ لِمَزَازَةٍ فيها.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنَ التَّمْرِ مُدًّا لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمِ الْمُدِّ مِنَ الْحَائِطِ أَسَهْمٌ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ أَوْ مِنْ مِائَةٍ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ فَهَذَا مَجْهُولٌ وَلَوِ اسْتُثْنِيَ رُبْعُهُ أَوْ نَخْلَاتٌ بِعَيْنِهَا فَجَائِزٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَجُمْلَةُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُهُ وَحَالُ مَا بَقِيَ مِنَ الْبَيْعِ بَعْدَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَعْلُومًا وَالْمَبِيعُ بَعْدَهُ مَعْلُومًا وَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُشَاعٌ وَمُجَوَّزٌ.