للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ التَّنَاكُرِ رُوعِيَ حَالُهَا، فَإِنْ كَانَتْ بَرَزَةً أَخْرَجَهَا السُّلْطَانُ لِلْمُحَاكَمَةِ ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى الْعِدَّةِ بَعْدَ انْبِرَامِ الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَتْ خَفِرَةً أَنْفَذَ السُّلْطَانُ إِلَيْهَا مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ خُصُومِهَا فِي مَسْكَنِهَا كَمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ مِنِ اعْتِبَارِ الْبُرُوزِ وَالْخَفَرِ فِي إِخْرَاجِهَا وَإِقْرَارِهَا.

وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحُدُودِ فَيُعَجَّلُ اسْتِيفَاؤُهَا وَلَا يُؤَخَّرُ بِالْعِدَّةِ، وَإِنْ خَرَجَتْ بِالْمَرَضِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَهَا فِي الْمَرَضِ مُفْضٍ إِلَى تَلَفِهَا بِخِلَافِ الْعِدَّةِ، فَإِذَا أَرَادَ السُّلْطَانُ اسْتِيفَاءَ الْحُدُودِ مِنْهَا رُوعِيَ حَالُهَا أَيْضًا فِي الْبُرُوزِ وَالْخَفَرِ، فَإِنْ كَانَتْ خَفِرَةً أَقَامَ الْحَدَّ عَلَيْهَا فِي مَنْزِلِهَا فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا أُنَيْسُ اغْدُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا " وَإِنْ كَانَتْ بَرَزَةً أَخْرَجَهَا لِإِقَامَةِ الحد عليها قوله تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: ١] وَالزِّنَا مِنْ أَكْبَرِ الْفَوَاحِشِ فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ بِمَا فِي الزِّنَا فَكَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الشُّهُورِ وَالْأَقْرَاءِ رُجِمَتْ، وَلَمْ يُنْتَظَرْ بِهَا انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَالْعِدَّةُ مَوْضُوعَةٌ لِمَنْعِهَا مِنَ الْأَزْوَاجِ وَرَجْمُهَا أَمْنَعُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَمْلِ أُخِّرَتْ حَتَّى تَضَعَ أَوْ يَنْفَشَّ حَمْلُهَا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يُقَامُ عَلَى حَامِلٍ، وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا فِي الزِّنَا جُلِدَتْ، وَإِنْ كانت حائلاً وفي تَغْرِيبِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا تغرب إلى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ تَغْلِيبًا لِحَقِّ الزَّوْجِ فِي تَحْصِينِ مَائِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُغَرَّبُ حَوْلًا إِلَى أَحْصَنِ الْمَوَاضِعِ وَيُرَاعَى تَحْصِينُهَا فِي التَّغْرِيبِ فِي بَقِيَّةِ الْعِدَّةِ، فَإِنِ اسْتَكْمَلَتْ حَوْلَ التَّغْرِيبِ قَبْلَ انقضاء العدة وجب رَدُّهَا إِلَى مَنْزِلِهَا لِتَقْضِيَ فِيهِ بَقِيَّةَ الْعِدَّةِ.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَيُكْتَرَى عَلَيْهِ إِذَا غَابَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ فِي السُّكْنَى حَقًّا لَهَا فِي الْمَسْكَنِ وَحَقًّا عَلَيْهَا فِي الْمُقَامِ فِيهِ، فَإِنْ مَلَكَ الزَّوْجُ مَسْكَنًا لَزِمَهُ إِقْرَارُهَا فِيهِ إِذَا كَانَ فِيهِ طَلَاقُهَا، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ مَسْكَنًا اكْتَرَاهُ بِمَالِهِ إِنْ حَضَرَ، وَاكْتَرَاهُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ إِنْ غَابَ إِذَا وَجَدَ لَهُ مَالًا؛ لِأَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْحُقُوقَ مِمَّنْ غَابَ عَنْهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا اقْتَرَضَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِيهِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

إِمَّا أَنْ يَقْتَرِضَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَيَكُونَ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ يَأْخُذُهُ بِأَدَائِهِ إِذَا قَدِمَ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي اكْتِرَاءِ مَسْكَنٍ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَتِهِ إِذَا قَدِمَ، وَبَيْنَ أَنْ يُقْرِضَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أُجْرَةَ مَسْكَنٍ يُطَالِبُهُ بِهِ إِذَا حَضَرَ، فَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ هُوَ الْمُقْتَرِضَ عَلَيْهِ، إِمَّا مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ اكْتَرَى لَهَا مَسْكَنًا تَرْضَاهُ لِنَفْسِهَا، وَلَا يَجُوزُ فِي الْحَالَيْنِ أَنْ تَتَجَاوَزَ بِهِ مَسْكَنَ مِثْلِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>