للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

وَلَوِ ابْتَدَأَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ فَقَالَ لِرُكْبَانِ السَّفِينَةِ: أَلْقي مَتَاعِي وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ضَمَانُهُ.

فَقَالُوا جَمِيعُهُمْ: نَعَمْ، أَوْ قَالُوا: افْعَلْ فَهُمَا سَوَاءٌ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَمَانُ جَمِيعِ قِيمَتِهِ.

وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمْ: نَعَمْ أَوِ افْعَلْ وَأَمْسَكَ الْبَاقُونَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ دُونَهُمْ.

وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ قَالَ لَهُمْ: أَلْقي مَتَاعِي وَعَلَيْكُمْ ضَمَانُهُ.

فَقَالُوا جَمِيعًا: نَعَمْ لَزِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الضَّمَانِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ اشْتَرَاكٍ وَالْأَوَّلَ ضَمَانُ انْفِرَادٍ، وَلَوْ أَجَابَهُ أَحَدُهُمْ ضَمِنَ وَحْدَهُ قَدْرَ حِصَّتِهِ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ خَرَقَ السَّفِينَةَ فَغَرِقَ أَهْلُهَا ضَمِنَ مَا فِيهَا وَضَمِنَ دِيَاتِ رُكْبَانِهَا عَاقِلَتُهُ وَسَوَاءُ مَنْ خرق ذلك منها ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَلَهُ إِذَا خَرَقَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ يَسْتَوِي ضَمَانُ الْأَمْوَالِ فِي جَمِيعِهَا وَيَخْتَلِفُ فِيهَا ضَمَانُ النُّفُوسِ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ خَرْقُهُ لَهَا عَمْدًا مَحْضًا.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ خَطَأً مَحْضًا.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ عَمْدَ الْخَطَأِ، فإن كان عمد الخطإ فَهُوَ أَنْ يَعْمِدَ خَرْقَهَا وَفَتْحَهَا لِغَيْرِ إِصْلَاحٍ لَهَا وَلَا لِسَدِّ مَوْضِعٍ فِيهَا، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْخَرْقِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ وَاسِعًا لَا يَجُوزُ أَنْ تَسْلَمَ السَّفِينَةُ مِنْ مِثْلِهِ فَهَذَا قَاتِلٌ عَمْدًا، وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ إِنْ سَلِمَ مِنْهَا، وَإِنْ غَرِقَ مَعَهَا فَفِي مَالِهِ دِيَاتُ مَنْ غَرِقَ فِيهَا مَعَ قِيمَةِ الْأَمْوَالِ التَّالِفَةِ فِيهَا.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْخَرْقُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ تَسْلَمَ السَّفِينَةُ مَعَ مِثْلِهِ وَيَجُوزَ أَنْ تَغْرَقَ مِنْهُ فَهَذَا عَمْدُ الْخَطَأِ لِعَمْدِهِ فِي الْفِعْلِ وَخَطَئِهِ فِي الْقَصْدِ، فَتَكُونُ دِيَاتُ النُّفُوسِ مُغَلَّظَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ مَعَ الْكَفَّارَاتِ فِي مَالِهِ، وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْخَرْقُ مِمَّا لَا يُغْرَقُ مِنْ مِثْلِهِ فَيَتَّسِعُ وَيُغْرِقُ فَهَذَا خَطَأٌ مَحْضٌ، تَكُونُ دِيَاتُ النُّفُوسِ مُخَفَّفَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ مَعَ الْكَفَّارَاتِ فِي مَالِهِ، فَهَذَا حُكْمُ خَرْقِهِ إِذَا كَانَ عَامِدًا فِي فِعْلِهِ.

وَأَمَّا الْحَالُ الثَّانِيَةُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْخَرْقُ مِنْهُ خَطَأً مَحْضًا، فَهُوَ أَنْ يَسْقُطَ مِنْ يَدِهِ حَجَرٌ فَيَفْتَحُهَا فَيَغْرَقُ، فَتَكُونُ دِيَاتُ النُّفُوسِ مُخَفَّفَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>