لِلْمُرْتَهِنِ فِي فَسْخِهِ خِيَارٌ لِصِحَّةِ رَهْنِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَحُدُوثُ فَسَادِهِ كَمَوْتِ الْعَبْدِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ خَيْرَانَ فِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ.
وَالثَّانِي: جَائِزٌ وَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ كان خمرا وقت العقد.
[(مسألة)]
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَحِمَهُ اللَّهُ " فَإِنْ صَارَ الْعَصِيرُ خَمْرًا ثُمَّ صَارَ خَلًّا مِنْ غَيْرِ صَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَهُوَ رَهْنٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
إِذَا رَهَنَ عَصِيرًا حُلْوًا ثُمَّ صَارَ الْعَصِيرُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ خَمْرًا ثُمَّ انْقَلَبَ الْخَمْرُ فِي يَدِهِ فَصَارَ خَلًّا مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ وَلَا عِلَاجٍ فَقَدْ حَلَّ ذَلِكَ وَعَادَ إِلَى الرَّهْنِ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ.
وَحُكِيَ عَنْ أبي حنيفة أَنَّهُ لَا يَعُودُ إِلَى الرَّهْنِ إِلَّا بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الرَّهْنَ قَدْ بَطَلَ بِاسْتِحَالَتِهِ خَمْرًا، فَلَمْ يَعُدْ إِلَى الرَّهْنِ بِاسْتِحَالَتِهِ خَلًّا لِأَنَّ الْعَقْدَ إِذَا بَطَلَ لَمْ يَعُدْ إِلَى الصِّحَّةِ فِيمَا بَعْدُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْعُقُودِ لَا تَصِحُّ بَعْدَ بُطْلَانِهَا وَلِأَنَّ رَهْنَ الْعَصِيرِ بَطَلَ بِاسْتِحَالَتِهِ خَمْرًا كَمَا يَبْطُلُ رَهْنُ الشَّاةِ بِالْمَوْتِ وَتُطَهَّرُ الْخَمْرُ بِاسْتِحَالَتِهَا خَلًّا كَمَا يُطَهَّرُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ فَلَمَّا كَانَ جِلْدُ الشَّاةِ الْمَرْهُونَةِ إِذَا دُبِغَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَعُودُ إِلَى الرَّهْنِ إِلَّا بِاسْتِئْنَافِ عَقْدٍ لِبُطْلَانِهِ مِنْ قَبْلُ.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ بُطْلَانَ الرَّهْنِ إِنَّمَا كَانَ لِبُطْلَانِ الْمِلْكِ فَوَجَبَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الرَّهْنِ بِعَوْدِهِ إِلَى الْمِلْكِ لِأَنَّ وُجُودَ الْمِلْكِ سَبَبٌ لِصِحَّةِ الرَّهْنِ كَمَا أَنَّ عَدَمَ الْمِلْكِ سَبَبٌ لِبُطْلَانِ الرَّهْنِ وَلِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَهُ بِحُقُوقِهِ كَالْوَرَثَةِ إِذَا مَلَكُوا الرَّهْنَ مَلَكُوهُ بِحُقُوقِهِ مَرْهُونًا كَذَلِكَ إِذَا مَلَكَ الرَّاهِنُ الْخَمْرَ بِاسْتِحَالَتِهِ خَلًّا وَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ بِحُقُوقِهِ مَرْهُونًا وَلِأَنَّ اسْتِحَالَةَ الْعَصِيرِ خَمْرًا تُوجِبُ إِتْلَافَهُ بِالْإِرَاقَةِ كَمَا أَنَّ ارْتِدَادَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ يُوجِبُ إِتْلَافَهُ بِالْقَتْلِ.
فَلَمَّا كَانَ زَوَالُ مَا بِهِ يُوجِبُ إِتْلَافَ الْمُرْتَدِّ مُوجِبًا لِاسْتِقْرَارِ الرَّهْنِ وَهُوَ أَنْ يَعُودَ فَلَمَّا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ زَوَالُ مَا بِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِتْلَافُ الْخَمْرِ مُوجِبًا لِاسْتِقْرَارِ الرَّهْنِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَحِيلَ خَلًّا وَلِأَنَّهُ يَعُودُ إِلَى الْمِلْكِ إِذَا اسْتَحَالَ خَلًّا بِسَبَبٍ سَابِقٍ لَا بِسَبَبٍ حَادِثٍ.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَتَرَكَ خَمْرًا فَاسْتَحَالَ بَعْدَ مَوْتِهِ خَلًّا لَوَجَبَ أَنْ تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذَ مِنْهُ وَصَايَاهُ، فَلَوْ عَادَ إِلَى الْمِلْكِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ لَاخْتَصَّ بِهِ الْوَرَثَةُ وَلَمْ يَلْزَمْهُمْ قَضَاءُ دُيُونِهِ مِنْهُ وَلَا إِنْفَاذُ وَصَايَاهُ وَإِذَا عَادَ إِلَى الْمِلْكِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ وَجَبَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الرَّهْنِ لِكَوْنِهِ رَهْنًا فِي السَّابِقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute