للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ مِنْ حُقُوقِ الْمُوَاسَاةِ كَانَ مُقَدَّرًا كَالزَّكَوَاتِ وَالنَّفَقَاتِ فَبَطَلَ بِهِ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَلَكِنْ فِي تَقْدِيرِهِ طَرِيقَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبْدَأَ بِتَقْدِيرِ الْأَقَلِّ، وَيَجْعَلَهُ أَصْلًا لِلْأَكْثَرِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَبْدَأَ بِتَقْدِيرِ الْأَكْثَرِ وَيَجْعَلَهُ أَصْلًا لِلْأَقَلِّ.

فَإِنْ بَدَأَتْ بِتَقْدِيرِ الْأَقَلِّ فِي حَقِّ الْمُتَوَسِّطِ فَهُوَ مَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ التَّافِهِ، لِأَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى التَّافِهِ جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقِيرَاطِ وَالْحَبَّةِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَفِي بِالدِّيَةِ وَيَنْهَدِرُ بِهِ الدَّمُ، وَحَدُّ التَّافِهِ مَا لَمْ يُقْطَعْ فِيهِ الْيَدُ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمْ تَكُنِ الْيَدُ تُقْطَعُ على عبد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ " فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ الْمُقِلَّ مَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ التَّافِهِ وَهُوَ رُبُعُ دِينَارٍ، وَإِذَا لَزِمَ الْمُقِلَّ رُبُعُ دِينَارٍ وَجَبَ أَنْ يُضَاعَفَ فِي حَقِّ الْمُكْثِرِ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ دِينَارٍ، كَمَا يَلْزَمُ الْمُوسِرَ فِي النَّفَقَةِ مَثَلًا نَفَقَةُ الْمُعْسِرِ، وَإِنْ بَدَأَتْ بِتَقْدِيرِ الْأَكْثَرِ فِي حَقِّ الْمُكْثِرِ فَهُوَ أَنَّ أَوَّلَ مَا يُوَاسِي بِهِ الْغَنِيُّ فِي زَكَاتِهِ نِصْفُ دِينَارٍ، مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا، فَحَمْلُ الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ تُؤَوَّلُ إِلَى الْإِجْحَافِ، وَلَا يَقِفُ عَلَى مِقْدَارٍ، وَإِذَا لَزِمَ الْغَنِيَّ نِصْفُ دِينَارٍ وَجَبَ أَنْ يَقْتَصِرَ مِنَ الْمُقِلِّ عَلَى نِصْفِهِ كَمَا أَنَّ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِ نِصْفُ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ، وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ دَلِيلٌ وَانْفِصَالٌ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ تَقْدِيرُهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ فِي حَقِّ الْمُكْثِرِ وَرُبُعِ دِينَارٍ فِي حَقِّ الْمُقِلِّ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ: أَنَّ هَذَا قَدْرُ مَا يُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ، فَيَكُونُ فِي السِّنِينَ الثَّلَاثِ عَلَى الْمُكْثِرِ دِينَارٌ وَنِصْفٌ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ، وَعَلَى الْمُقِلِّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّينَارِ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَقَلِّهِمْ: أَنَّ هَذَا قَدْرُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي السِّنِينَ الثَّلَاثِ، فَيَصِيرُ الْمَأْخُوذُ مِنَ الْمُكْثِرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْهَا سُدُسَ دِينَارٍ، وَالْمَأْخُوذُ مِنَ الْمُقِلِّ فِي كُلِّ سَنَةٍ نِصْفَ سُدْسِ دِينَارٍ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ، لِأَنَّ لِكُلِّ سَنَةٍ حُكْمَهَا، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ عَنِ الْإِبِلِ مَعَ وُجُودِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ قِيمَةَ تَعْيِينِ إِبِلِ الدِّيَةِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ دِينَارٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَجَزَّأَ فَيَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجُزْءِ قِيمَتِهِ نِصْفِ دِينَارٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي أَدَاءِ الْبَعِيرِ الْوَاحِدِ الْعَدَدُ الَّذِي يَكُونُ قِسْطُ الْوَاحِدِ مِنْ ثَمَنِهِ نِصْفَ دِينَارٍ إِنْ كَانَ مُكْثِرًا، وَرُبُعَ دِينَارٍ إِنْ كَانَ مُقِلًّا، وَهَذَا عَدَدٌ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُ، لِأَنَّ الْبَعِيرَ قد تزيد قيمته في حال وثقل فِي أُخْرَى، وَإِنْ أَعْوَزَتِ الْإِبِلُ عُدِلَ إِلَى الدَّنَانِيرِ، إِمَّا مُقَدَّرَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ، أَوْ بِقِيمَةِ مِائَةِ بَعِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ، يَحْمِلُ الْمُكْثِرُ مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>