فِيهَا مَا يُؤَدِّي الِاجْتِهَادُ إِلَيْهِ، لِأَنَّهَا الْمُقَدَّرُ فِي جِرَاحِ الْجَسَدِ فَأَشْبَهَتِ الْمُوضِحَةَ فِي شِجَاجِ الرَّأْسِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُفَضَّلَ بَيْنَ الْمُوضِحَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَهَا وَبَيْنَ الْجَائِفَةِ مَعَ غَيْرِهَا أَنَّ مَا تَقَدَّمَ الْمُوَضِّحَةَ بَعْضُ الْمُوضِحَةِ فَلَمْ يَبْلُغْ دِيَتَهَا، وَغَيْرُ الْجَائِفَةِ قَدْ لَا يَكُونُ بَعْضُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ عَظْمٍ وَإِتْلَافِ لَحْمٍ، فَجَازَ أَنْ تَزِيدَ حُكُومَتُهَا عَلَى دِيَتِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّيْنِ بَعْدَ انْدِمَالِهِ أَثَرٌ وَلَا لِلْحُكُومَةِ فِيهِ قَدْرٌ فَفِيهِ وجهان ذكرناهما من قبل:
[أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ، تكون هدراً.
والثاني: وهو قول أبي إسحاق المروزي: يعتبر ما قبل الاندمال] ولا يقدر مَعَ حَالِ الْأَلَمِ وَإِرَاقَةِ الدَّمِ، فَيَعْتَبِرُ مَا قَبْلَ الِانْدِمَالِ حَالًا قَبْلَ حَالٍ حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى وَقْتِ الْجَرْحِ وَسَيَلَانِ الدَّمِ لِلضَّرُورَةِ، كَمَا يَلْزَمُ فِي حَمْلِ الْأَمَةِ إِذَا أَعْتَقَ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَنْ يَعْتَبِرَ قِيمَتَهُ بَعْدَ ظُهُورِهِ لَمَّا تَقَدَّرَتْ قِيمَتُهُ عِنْدَ عُلُوقِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَدِيَةُ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُعَاهِدِينَ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهَا كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ سَوَاءً.
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ مَسْعُودٍ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ الزُّهْرِيُّ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهَا نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: إِنْ قَتَلَ عَمْدًا فَمِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ قَتَلَ خَطَأً فَنِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ كَقَوْلِ مَالِكٍ.
وَالرَّابِعُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ دِيَتَهُ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ.
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.