الصَّوْمَ فِيهِ حَرَامٌ كَالْحَيْضِ، وَلَوْ نَذَرَتْ أَنْ تَصُومَ عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا، صَحَّ النَّذْرُ، وَلَزِمَهَا الصَّوْمُ، لِأَنَّهَا جَعَلَتْ أَيَّامَ الْحَيْضِ مِقْدَارًا، وَلَمْ تَجْعَلْهَا زَمَانًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ:)
فَأَمَّا إِذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَقَبْلَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ، وَعِنْدَ قِيَامِ الظَّهِيرَةِ، وَقَبْلَ الزَّوَالِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ، وَقَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ النَّذْرَ بَاطِلٌ لَا يَنْعَقِدُ بِوَفَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا مَعَ النَّهْيِ مَعْصِيَةٌ وَالنَّذْرُ لَا يَنْعَقِدُ بِمَعْصِيَةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّذْرَ صَحِيحٌ، يَنْعَقِدُ عَلَى الْوَفَاءِ بِالصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، فَيُصَلِّي فِيهَا وَلَا يَقْضِي لتوجه المنهي إلا مَا لَا سَبَبَ لَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ النَّذْرَ صَحِيحٌ، يَنْعَقِدُ بِالْقَضَاءِ دُونَ الْوَفَاءِ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَلَا يَجُوزَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِيهَا، لِيَفِيَ بِالنَّذْرِ، وَيَسْلَمَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ.
(فَصْلٌ:)
وَإِذَا بَطَلَ نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى النَّاذِرِ فِيهِ.
قَالَ الرَّبِيعُ: فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ، كَفَّارَةَ يَمِينٍ، لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ " وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهَذَا التَّخْرِيجُ مِنَ الرَّبِيعِ، لَيْسَ بِقَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ، وَإِنَّمَا قَالَهُ تَخْرِيجًا عَنْ نَفْسِهِ، لِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَحْكِهِ عَنْهُ، وَلَا وُجِدَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ، وَلَا تَقْتَضِيهِ أُصُولُ مَذْهَبِهِ، وَكَانَ الرَّبِيعُ إِذَا أَلْزَمَ شَيْئًا قَالَ: وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ لِقُصُورِهِ عَنِ الِانْفِصَالِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِرِوَايَتِهِ دُونَ تَخْرِيجِهِ، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى نَذْرِ الْأَيْمَانِ، الَّتِي يُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْوَفَاءِ وَالتَّكْفِيرِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى نَذْرِ الْجَزَاءِ وَالتَّبَرُّرِ.
(فَصْلٌ:)
فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ، فَإِنَّهُ جَعَلَ بُطْلَانَ نَذْرِهَا، إِذَا نَذَرَتْ أَنْ تَصُومَ أَيَّامَ حَيْضِهَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا فِي نَذْرِ صِيَامِ يَوْمِ الِإِثْنَيْن أَنْ تَقْضِيَ، مَا وَافَقَ أَيَّامَ الْحَيْضِ، وَأَيَّامَ التَّحْرِيمِ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ نَذْرَ الِإِثْنَيْن انْعَقَدَ عَلَى طَاعَةٍ، فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَنَذْرُ الْحَيْضِ وَأَيَّامِ التَّحْرِيمِ انْعَقَدَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَلَمْ يَلْزَمْ فِيهِ الْقَضَاءُ، لِافْتِرَاقِ حكم العقدين. والله أعلم.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رحمه الله عليه " وَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ وَمِنَ الصَّوْمِ يومٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِذَا نَذَرَ عَدَدًا مِنْ صَلَاةٍ، أَوْ صِيَامٍ، لَزِمَهُ الْعَدَدُ الَّذِي قَالَهُ، أَوْ