للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَبِيتُ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَبِتْ بِهَا فَعَلَيْهِ دَمُ شاةٍ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ الليل فلا فدية عليه قال ابن عباس كنت فيمن قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مع ضعفة أهله يعني من مزدلفة إلى منى ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ فَنُسُكٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَحُكِيَ عَنْ خَمْسَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَنَّهُ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ وَالْأَسْوَدُ وَعَلْقَمَةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإذَا أفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحََرَامِ) {البقرة: ١٩٨) وَبِهَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَنْ وَقَفَ بِجَمْعٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ ".

وَالدَّلَالَةُ عَلَى مَا قُلْنَا رِوَايَةُ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ، قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " الْحَجُّ عَرَفَاتٌ فَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ " وَلِأَنَّهُ مَبِيتٌ تَضَمَّنَ مِنْ صَبِيحَةِ الرَّمْيِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ نُسُكًا وَلَا يَكُونُ رُكْنًا كَلَيَالِي مِنًى، وَلِأَنَّ زَمَانَ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ هُوَ زَمَانُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلَوْ كَانَ الْمَبِيتُ بِهَا رُكْنًا لَاخْتَصَّتْ بِزَمَانٍ مُسْتَثْنًى لَا يُشَارِكُ زَمَانَ الْوُقُوفِ.

فَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الذِّكْرِ دُونَ الْمَبِيتِ وَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ.

وَأَمَّا الْخَبَرُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى فَوَاتِ فَضِيلَةِ الْحَجِّ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَبِيتَ بِهَا نُسُكٌ فَإِنْ بَاتَ بِهَا وَخَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ، لِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ".

وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مع ضَعَفَةِ أَهْلِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى بِلَيْلٍ وَأَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تُعَجِّلَ الْإِفَاضَةَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ خُرُوجَهَا مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةً بَطِيئَةً فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ تُفِيضَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بليلٍ فَأَذِنَ لَهَا، وَهَذَا نَصٌّ وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ دَلِيلٌ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى النُّسُكَ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِنْ خَرَجَ مِنْهَا قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ، نُظِرَ فَإِنْ عَادَ إِلَيْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ وَكَانَ كَالْعَائِدِ إِلَى عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا كَانَ كَمَنْ لَمْ يَبِتْ بِهَا وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ وَلَوْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ لَيْلًا وَحَصَلَ بِمُزْدَلِفَةَ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>