وَالثَّانِي: مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا فَالْإِمَامُ فِيمَنْ قَلَّدَهُ مِنْ عُمَّالِهِ الصَّدَقَةَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَعْقِدَ مَعَهُ إِجَارَةً عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي زَمَانٍ مَعْلُومٍ بأجرة معلومة فيكون العقد لازما له وَلَهُ الْأُجْرَةُ إِذَا عَمِلَ وَإِمَّا أَنْ يَجْعَلَهَا جُعَالَةً فَيَقُولُ: إِنْ عَمِلْتَ كَذَا فَلَكَ كَذَا، فَتَكُونُ هَذِهِ جُعَالَةً لَا تَلْزَمُ وَلَهُ إِنْ عَمِلَ مَا يُسَمَّى لَهُ فَإِنِ اسْتَعْمَلَهُ مِنْ غَيْرِ إِجَارَةٍ وَلَا جُعَالَةٍ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ثُمَّ لَا يَخْلُو سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَأَجْرُهُمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَسَاوَيَا فَتَكُونُ الْأُجْرَةُ بِقَدْرِ سَهْمِهِمْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نقص فنقص عليها وَقَدِ اسْتَوْفَوْا أُجُورَهُمْ مِنْ سَهْمِهِمْ وَسَوَاءً كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا الْفَقْرُ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: الْعَامِلُ عليها وغاز في سبيل الله " الحديث. وَرَوَى ابْنُ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَامِلًا عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا رَجَعْتُ بِهَا وَأَدَّيْتُهَا أَعْطَانِي عِمَالَتِي فَقُلْتُ: إِنَّمَا عَمِلْتُ لِلَّهِ وَإِنَّمَا أَجْرِي عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ: خُذْ مَا أَعْطَيْتُكَ فَقَدْ فَعَلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِثْلَ مَا فَعَلْتَ فَأُعْطِيتُ مِثْلَ مَا أُعْطِيتَ فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتَ فَقَالَ: إِذَا أُعْطِيتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَ فَكُلْ وَتَصَدَّقْ، فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْخَبَرَيْنِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ مَعَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ أُجُورُ الْعَامِلِينَ أَقَلَّ وَسَهْمُهُمْ أَكْثَرَ فَيَدْفَعُ إِلَيْهِمْ مِنْ سَهْمِهِمْ قَدْرَ أُجُورِهِمْ، وَيَرُدُّ الْفَاضِلَ مِنْهُ عَلَى السُّهْمَانِ كُلِّهَا بِالتَّسْوِيَةِ وَلَا يَسْتَبْقِي لِعَامِلِهِ عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الصَّدَقَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ أُجُورُ الْعَامِلِينَ أَكْثَرَ وَسَهْمُهُمْ أَقَلَّ فَيَدْفَعُ إِلَيْهِمْ سَهْمَهُمْ وَيُتَمِّمُ لَهُ بَاقِيَ أُجُورِهِمْ وَمِنْ أَيْنَ يُتَمِّمُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مِنْ تِلْكَ الصَّدَقَةِ الَّتِي عَمِلُوا فِيهَا لِاخْتِصَاصِ عَمَلِهِمْ بِهَا.
وَالثَّانِي: مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ مِنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَتِهَا.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى الصَّدَقَاتِ فَإِنْ تَطَوَّعُوا بِالْعَمَلِ مِنْ غَيْرِ أَجْرٍ جَازَ وَسَقَطَ مِنْ تِلْكَ الصَّدَقَةِ الَّتِي عَمِلُوا فِيهَا سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا كَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَوَلَّاهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهَا وَيَسْقُطُ سَهْمُ الْعَامِلِينَ مِنْهَا، وَإِنْ أَرَادَ الْعَامِلُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا وَيَأْخُذَ سَهْمَ عَمَلِهِ مِنْهَا، فَفِي جَوَازِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: