بِأَلْفٍ كَانَتْ أَرْبَعَةَ عُقُودٍ، فَبَطَلَ الْبَدَلُ لِلْجَهَالَةِ بِبَدَلِ كُلِّ عَقْدٍ، وَلَوِ اشْتَرَى أَرْبَعَةَ أَعْبُدٍ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ كَانَ عَقْدًا وَاحِدًا، فَلَمْ يَبْطُلْ، لِأَنَّ الثَّمَنَ فِيهِ وَاحِدٌ مَعْلُومٌ.
وَأَمَّا اعْتِبَارُ ذَلِكَ بِالصُّبْرَةِ مِنَ الطَّعَامِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ ثَمَنَ أَجْزَاءِ الصُّبْرَةِ مَعْلُومٌ، فَصَارَ جَمِيعُ الثَّمَنِ بِهِ مَعْلُومًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مُهُورُ الْأَرْبَعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْعِلْمُ بِثَمَنِ الصُّبْرَةِ تَحَقَّقَ فَصَارَ الثَّمَنُ بِهِ مَعْلُومًا، وَمَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْعِلْمُ بِمَهْرِ مِثْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَقْرِيبٌ، لِأَنَّهُ عَنِ اجتهاد يختلف فيه المجتهدون فَصَارَ الْمَهْرُ مَجْهُولًا.
فَصْلٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَوْجِيهِ الْقَوْلَيْنِ:
- فَإِذَا قُلْنَا بِبُطْلَانِ الصَّدَاقِ، كَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَهْرُ مِثْلِهَا.
- وَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّتِهِ قُسِّمَتِ الْأَلْفُ عَلَى مُهُورِ أمثالهن، وكان لك وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ قِسْطًا مِنَ الْأَلْفِ.
مِثَالُهُ: أَنْ يَكُونَ مَهْرُ مِثْلِ وَاحِدَةٍ أَلْفًا، وَمَهْرُ الثَّانِيَةِ أَلْفَيْنِ، وَمَهْرُ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَمَهْرُ الرَّابِعَةِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ: فَنَجْعَلُ الْأَلْفَ الْمُسَمَّاةَ مُقَسَّطَةً عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ، لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَتِهَا فَتَكُونُ الَّتِي مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ عُشْرَ الْأَلْفِ، وَذَلِكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَلِلَّتِي مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَانِ، خُمُسُ الْأَلْفِ، وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَلِلَّتِي مَهْرُ مِثْلِهَا ثَلَاثَةُ آلاف، ثلاثة أعشار الألف وذلك ثلثمائة دِرْهَمٍ، وَلِلَّتِي مَهْرُ مِثْلِهَا أَرْبَعَةُ آلَافٍ خُمُسَا الألف وذلك أربعمائة درهم.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ أَصْدَقَ عَنِ ابْنِهِ وَدَفَعَ الصَّدَاقَ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ طَلَّقَ فَلِلِابْنِ النِّصْفُ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ لَهُ فَقَبَضَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأَبَ إِذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ لَمْ يَخْلُ مَا أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، أَوْ فِي الذِّمَّةِ.
فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَعَبْدٍ جَعَلَهُ صَدَاقًا لِزَوْجَتِهِ فَهُوَ صَدَاقٌ جَائِزٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ لِلِابْنِ، أَوْ لِلْأَبِ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ كَانَ لِلْأَبِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ هِبَةً لِلِابْنِ.
وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ: فَلَا يَخْلُو الِابْنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا، أَوْ مُعْسِرًا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا: وَجَبَ الصَّدَاقُ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْأَبِ إِلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِضَمَانِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا، فَفِي الصَّدَاقِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ: إنَّهُ لازم للأب، ولأن قَبُولَهُ لِنِكَاحِ وَلَدِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِإِعْسَارِهِ الْتِزَامٌ مِنْهُ لِمُوجِبِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ: أَنَّهُ لَازِمٌ لِلِابْنِ دُونَ الْأَبِ، لِأَنَّ الِابْنَ هُوَ الْمَالِكُ لِلْبُضْعِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُلْتَزِمَ بِمَا فِي مُقَابَلَتِهِ مِنَ الصَّدَاقِ.