(فَصْلٌ)
: فَأَمَّا إِذَا انْقَطَعَ دَمُ اسْتِحَاضَتِهَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُهُ لِارْتِفَاعِ الاستحاضة، فَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِ صَلَاةٍ، فَإِنْ كَانَتْ فِي صَلَاةٍ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّ صَلَاتَهَا لَا تَبْطُلُ وَتَمْضِي فِيهَا، وَإِنِ ارْتَفَعَتِ اسْتِحَاضَتُهَا كَالْمُتَيَمِّمِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فِيهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ صَلَاتَهَا قَدْ بَطُلَتْ بِارْتِفَاعِ الِاسْتِحَاضَةِ؛ لارتفاع الضرورة والفرق بينهما وَبَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ قَدْ أَتَى بِبَدَلِ الطَّهَارَةِ فَجَازَ أَنْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِالْبَدَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَالْمُسْتَحَاضَةُ لَمْ تَأْتِ بِبَدَلِ الطَّهَارَةِ مَعَ كَوْنِهَا مُحْدِثَةً فَلَمْ تَصِحَّ مِنْهَا الصَّلَاةُ وَالثَّانِي أَنَّ مَعَ حَدَثِ الْمُسْتَحَاضَةِ نَجَاسَةً لَا تَصِحُّ الصَّلَوَاتُ مَعَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِزَالَتِهَا فَكَانَتْ أَغْلَظَ حَالًا مِنَ الْمُتَيَمِّمِ الَّذِي لَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ فَهَذَا حُكْمُ اسْتِحَاضَتِهَا إِذَا ارْتَفَعَتْ فِي الصَّلَاةِ فَأَمَّا إِنِ ارْتَفَعَتْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَهَذِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ وَقْتُ الصَّلَاةِ مُتَّسِعًا لِلطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ فَلَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّ طَهَارَتَهَا قَدْ بَطُلَتْ لِارْتِفَاعِ ضَرُورَتِهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَقْتُ الصَّلَاةِ قَدْ ضَاقَ عَنْ فِعْلِ الطهارة ولم يبق له إلا قدراً لصلاة فَفِي بُطْلَانِ طَهَارَتِهَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهَا.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بَاطِلَةٌ إِذَا قِيلَ: إن الصلاة بها باطلة، وهذا أصح لوجهين.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا صَحِيحَةٌ لِصَلَاةِ وَقْتِهَا، دُونَ مَا سِوَاهَا مِنْ فَرْضٍ وَنَفْلٍ، إِذَا قِيلَ إِنَّ الصَّلَاةَ بِهَا لَا تَبْطُلُ، وَهَذَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ ضَاقَ وَقْتُهَا وَلَكِنْ ذُكِرَ فَذَكَرْتُهُ.
(فَصْلٌ)
: وَالضَّرْبُ الثَّانِي: فِي الْأَصْلِ، أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُ ذلك لرؤية الدم لا لارتفاع الِاسْتِحَاضَةِ، كَأَنَّهُ يَنْقَطِعُ سَاعَةً ثُمَّ يَجْرِي سَاعَةً فَإِنْ كَانَ قَدْ عُرِفَ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ، وَيَعُودُ كَانَ وُضُوؤُهَا جَائِزًا وَإِنْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ مَاضِيَةً وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ بِالْعَادَةِ فَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي صَلَاةٍ أَوْ فَي غَيْرِ صَلَاةٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي صَلَاةٍ فَصَلَاتُهَا بَاطِلَةٌ، سَوَاءٌ عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي الصَّلَاةِ فَصَارَ مُعْتَادًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ انْقِطَاعِهِ شَاكَّةٌ فِي عَوْدِهِ، فَلَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ بِزَوَالِ الشَّكِّ بَعْدَ عَوْدِهِ كَالْمُصَلِّي إِذَا شَكَّ فِي طَهَارَتِهِ ثُمَّ تَيَقَّنَ صِحَّتَهَا قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، بِالشَّكِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنْ تَعَقَّبَهُ يَقِينٌ طَارِئٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، حُكِمَ فِي الظَّاهِرِ بِبُطْلَانِ وُضُوئِهَا، فَإِنْ لَمْ يُعَاوِدْهَا الدَّمُ حَتَّى تَوَضَّأَتْ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ