للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب ما يسقط الصدقة عن الماشية]

قال الشافعي رضي الله عنه: يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال " في سائمة الغنم زكاةٌ " وإذا كَانَ هَذَا ثَابِتًا فَلَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ سائمة وروي عن بعض أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن ليس في البقر والإبل العوامل صدقة حتى تكون سائمة والسائمة الراعية وذلك أن يجتمع فيها أمران أن لا يكون لها مؤنة في العلف ويكون لها نماء الرعي فأما إن علفت فالعلف مؤنة تحبط بفضلها وقد كانت النواضح عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثم خلفائه فلم أعلم أحداً رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أخذ منها صدقة ولا أحداً من خلفائه ".

قال الماوردي: وهذا كما قال:

الْمَاشِيَةُ ضَرْبَانِ سَائِمَةٌ وَمَعْلُوفَةٌ فَالسَّائِمَةُ: الرَّاعِيَةُ، وَسُمِّيَتْ سَائِمَةً لِأَنَّهَا تَسِمُ الْأَرْضَ بِرَعْيِهَا، وَالسِّمَةُ الْعَلَامَةُ وَلِهَذَا قِيلَ لِأَوَّلِ الْمَطَرِ وَسَمِيٌّ، لِأَنَّهُ يُعَلِّمُ الْأَرْضَ بِآثَارِهِ، فَالسَّائِمَةُ مِنَ الْمَاشِيَةِ فِيهَا الزَّكَاةُ إِجْمَاعًا.

فَأَمَّا الْمَعْلُوفَةُ مِنَ الْغَنَمِ وَالْعَوَامِلِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وأبي حنيفة وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: الزَّكَاةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ كَالسَّائِمَةِ.

وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: مَعْلُوفَةُ الْغَنَمِ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَمَعْلُوفَةُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِيهَا الزَّكَاةُ، لِقَوْلِهِ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ، فَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ فَوَجَبَ اخْتِصَاصُهَا بِالْحُكْمِ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ زَكَاةَ الْمَعْلُوفَةِ بِعُمُومِ قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " في أربعين شاةٍ شاةٌ ": ولم يفرق قالوا: وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَةِ فَجَازَ أَنْ تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالسَّائِمَةِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ إِلَّا فِي قِلَّةِ الْمُؤْنَةِ فِي السَّائِمَةِ، وَكَثْرَتِهَا فِي الْمَعْلُوفَةِ، وَقِلَّةُ الْمُؤْنَةِ وَكَثْرَتُهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي إِسْقَاطِ الزَّكَاةِ، وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الزُّرُوعَ وَالثِّمَارَ إِذَا كَثُرَتْ مُؤْنَتُهَا بِالسَّقْيِ قَلَّتْ زَكَاتُهَا، وَإِذَا قَلَّتْ مُؤْنَتُهَا كَثُرَتْ زَكَاتُهَا، فَكَانَ تَأْثِيرُ الْمُؤْنَةِ فِي تَغْيِيرِ الْقَدْرِ لَا فِي إِسْقَاطِ الْفَرْضِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>