قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَعْقُودَةٌ بِمَنْ عَظُمَتْ حُرْمَتُهُ، وَلَزِمَتْ طَاعَتُهُ وَإِطْلَاقُ هَذَا مُخْتَصٌّ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ مُخْتَصَّةً بِاللَّهِ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ، وَلَهُ أَسْمَاءٌ وَصَفَاتٌ.
فَأَمَّا أَسْمَاؤُهُ فَأَخَصُّهَا بِهِ قَوْلُنَا: اللَّهُ، لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَتَّسِمْ بِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ اسْمُهُ الْأَعْظَمُ، وَهَذَا أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِياً) {مريم: ٦٥) . أَيْ: مَنْ يَتَسَمَّى بِاسْمِهِ الَّذِي هُوَ: اللَّهُ؟
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي فِيهِ: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ شَبِيهًا؟
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الِاسْمِ، هَلْ هُوَ عَلَمٌ لِذَاتِهِ، أَوِ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ صِفَاتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ لِذَاتِهِ غَيْرُ مُشْتَقٍّ مِنْ صِفَاتِهِ، لِأَنَّ أَسْمَاءَ الصِّفَاتِ تَكُونُ تَابِعَةً لِأَسْمَاءِ الذَّاتِ، فَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنَ اخْتِصَاصِهِ بِاسْمِ ذَاتٍ يَكُونُ عَلَمًا، لِتَكُونَ أَسْمَاءُ الصِّفَاتِ تَبَعًا، وَهَذَا قَوْلُ الْخَلِيلِ وَالْفَضْلِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ " أَلِهَ " صَارَ بِنَاءُ اشْتِقَاقِهِ عِنْدَ حَذْفِ هَمْزِهِ، وَتَفْخِيمِ لَفْظِةِ: اللَّهَ، فَالْحَالِفُ بِهَذَا الِاسْمِ حَالِفٌ بِيَمِينٍ مُنْعَقِدَةٍ لَا يَرْجِعُ فِيهَا إِلَى إِرَادَةِ الْحَالِفِ بِهِ، وَسَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ لِذَاتِهِ، أَوْ مُشْتَقٌّ مِنْ صِفَاتِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى غَيْرِهِ.
وَفِي مَعْنَى الْحَلِفِ بِهَذَا الِاسْمِ أَنْ تَقُولَ: وَالَّذِي خَلَقَنِي، أَوْ وَالَّذِي صَوَّرَنِي، فَتَنْعَقِدَ بِهِ يَمِينُهُ، لِأَنَّ الَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ هُوَ اللَّهُ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ، وَلَا يَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا بَاسْمٍ مُكَنًّى، لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ.
وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: وَالَّذِي أُصَلِّي لَهُ، أَوْ أَصُومُ لَهُ، أَوْ أُزَكِّي لَهُ، أَوْ أَحُجُّ لَهُ، انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ، لِأَنَّ صَلَاتَهُ وَصِيَامَهُ وَزَكَاتَهُ وَحَجَّهُ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ.
(فَصْلٌ:)
فَأَمَّا غَيْرُ هَذَا الِاسْمِ الْعَلَمِ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، فَيَنْقَسِمُ ثَمَانِيَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهُمَا: مَا يَجْرِي فِي اخْتِصَاصِهِ بِهِ مَجْرَى الْعَلَمِ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَهُوَ: الرحمن، فيكون المحالف بِهِ كَالْحَالِفِ بِاللَّهِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لَيْسَ يتسمى به غيره من خلفه، وَلَئِنْ طَغَى مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ، فَتَسَمَّى: رَحْمَانَ الْيَمَامَةِ، فَهِيَ تَسْمِيَةُ إِضَافَةٍ لَمْ يُطْلِقْهَا لِنَفْسِهِ، فَصَارَ كَمَنْ لَمْ يَتَسَمَّ بِهِ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ إِلَى هَذَا الِاسْمِ مَا اخْتَصَّ بِهِ مِنْ قُدْرَتِهِ، وَتَفَرَّدَ بِهِ مِنْ خَلْقِهِ فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشْ اسْتَوَى} ، فَأَجْرَاهُ مَجْرَى الْعَلَمِ مِنْ أَسْمَائِهِ الَّذِي هُوَ الله.