وَلَا يَحْنَثُ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ، لِأَنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ قاصدٌ وَمَعَ الْجَهْلِ غَيْرُ قَاصِدٍ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ إنَّهُ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَوْ عَلِمَ فَاسْتَثْنَاهُ بِقَلْبِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ حَنِثَ تَخْرِيجًا مِمَّنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَسَلَّمَ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَهُوَ فِيهِمْ، وَاسْتَثْنَاهُ بِنِيَّتِهِ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ شَرْحِ الْمَذْهَبِ فِيهِ.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا ثَبَتَ تَعْلِيلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنْ قِيلَ: بِوُقُوعِ الْحِنْثِ بِهَذَا الدُّخُولِ حَنِثَ إِذَا جَمَعَهُمَا بَيْتٌ واحدٌ، فَإِنْ كَانَا فِي بَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ واحدةٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا عَلَيْهِ بَيْتًا، وَإِنْ جَمَعَتْهُمَا دَارٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُفَرِّقُ الْمُتَبَايِعَانِ فِيهَا حَنِثَ، لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْتِ مُنْطَلِقٌ عَلَى الدَّارِ عُرْفًا، لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمَبِيتِ، وَإِنْ كَانَتِ الدَّارُ كَبِيرَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَكَانٍ يَفْتَرِقُ الْمُتَبَايِعَانِ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ، يَرَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي بَيْتٍ مِنَ الدَّارِ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي صَحْنِهَا أَوْ صُفَّتِهَا لَمْ يَحْنَثِ اعْتِبَارًا بِحَقِيقَةِ اسْمِ الْبَيْتِ أَنَّهُ مُنْطَلِقٌ عَلَى مَا تَمَيَّزَ مِنَ الدَّارِ بِهَذَا الِاسْمِ كَمَا لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا دَخَلْتُ بَيْتًا فَدَخَلَ صَحْنَ الدَّارِ أَوْ صُفَّتَهَا، أَوِ اسْتَطْرَقَ دِهْلِيزَهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ يَمْنَعُ مِنَ التَّسَاوِي، وَإِنْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْحِنْثِ كَمَا سَوَّى أَبُو الْعَبَّاسِ بَيْنَهُمَا فِي الْبِرِّ.
وَإِنْ قِيلَ: بِأَنَّ الْحِنْثَ لَا يَقَعُ بِهَذَا الدُّخُولِ، فَإِنْ بَادَرَ بِالْخُرُوجِ سَاعَةَ دُخُولِهِ أَوْ بَادَرَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الْحَالِ فَفِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ، فَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَهُوَ دَاخِلُهَا، هَلْ يَحْنَثُ بِالِاسْتِدَامَةِ كَمَا يَحْنَثُ بِالِابْتِدَاءِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ هَذَا إِذَا جَعَلَ الِاسْتِدَامَةَ كَالِابْتِدَاءِ.
وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ إِذَا فَرَّقَ بَيْنَ الِاسْتِدَامَةِ وَالِابْتِدَاءِ فَلَوْ دَخَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بَيْتًا عَلَى الْحَالِفِ فَإِنْ بَادَرَ الْحَالِفُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَقَامَ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ اسْتِدَامَةَ الدُّخُولِ لَا تَكُونُ دُخُولًا لَمْ يَحْنَثِ الْحَالِفُ هَاهُنَا.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ اسْتِدَامَةَ الدُّخُولِ تَكُونُ كَابْتِدَائِهِ فَفِي حِنْثِ الْحَالِفِ هَاهُنَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ كَالدَّاخِلِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مدخولٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ:)
قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ غَدًا فَهَلَكَ قَبْلَ غدٍ لَمْ يَحْنَثْ لِلإِكْرَاه قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute