للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَاضِي بَيْنَ وَلَدِ الْأُمِّ وَبَيْنَ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ فَكَيْفَ تُشَرِّكُ الْآنَ؟ قَالَ تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذِهِ عَلَى مَا قضينا.

وَحَكَمَ أَبُو بَكْرٍ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي الْعَطَاءِ وَلَمْ يُفَضِّلْ بِالسَّابِقَةِ وَقَالَ: " إِنَّمَا عَمِلُوا لِلَّهِ وَإِنَّمَا أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَإِنَّمَا الدُّنْيَا بَلَاغٌ " وَلَمْ يَفْرِضْ لِلْعَبِيدِ مَعَ سَادَاتِهِمْ.

وَفَضَّلَ عُمَرُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِالسَّابِقَةِ وَفَرَضَ لِلْعَبِيدِ.

وَسَوَّى عَلِيٌّ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَفَرَضَ لِلْعَبِيدِ كَفِعْلِ عُمَرَ.

وَلَمْ يَنْقُضْ بَعْضُهُمْ حُكْمَ بَعْضٍ لِنُفُوذِهِ بِاجْتِهَادٍ سَائِغٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ نَقَضَ عَلِيٌّ حُكْمَ شُرَيْحٍ فِي ابْنَيْ عَمِّ أَحَدِهِمَا أَخٌ لِأُمٍّ حِينَ حَكَمَ بِالْمِيرَاثِ لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ وَأَجْرَاهُمَا مَجْرَى أَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَبٍ وَالْآخَرُ لِأَبٍ وَأُمٍّ.

فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ رَدَّهُ عَنْهُ قَبْلَ نُفُوذِ حُكْمِهِ بِهِ.

وَالثَّانِي: نَقَضَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ نُفُوذِهِ، لِأَنَّهُ خَالَفَ فِيهِ ظَاهِرَ النَّصِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: ١٢] .

وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَجُزْ لَهُ نَقْضُ مَا ثَبَتَ بِاجْتِهَادٍ مُسَوَّغٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِلَّا بِاجْتِهَادٍ ثَانٍ دُونِ الْأَوَّلِ.

وَلَوْ بَانَ لَهُ فَسَادُ الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ قَبْلَ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ بِهِ حَكَمَ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.

وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا يَقُولُهُ فِي الْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ إِنْ بَانَ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ خَطَأُ مَا تَقَدَّمَ مِنِ اجْتِهَادِهِ قَبْلَ صَلَاتِهِ عَمِلَ عَلَى اجْتِهَادِهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ بَانَ لَهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ لَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى وَاسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي.

(فَصْلٌ)

: وَإِذَا خَالَفَ مَا لَا يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَهُوَ أَنْ يُخَالِفَ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ خَالَفَ مِنْ قِيَاسِ الْمَعْنَى الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ أَوْ خَالَفَ مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ قِيَاسَ التَّحْقِيقِ نَقَضَ بِهِ حُكْمَهُ وَحُكْمَ غَيْرِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: إِنْ خَالَفَ مَعْنَى نَصِّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ أَوْ خَفِيٍّ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ وَإِنْ خَالَفَ إِجْمَاعًا نُقِضَ حُكْمُهُ. وَهَذَا قَوْلٌ مُسْتَبْعَدٌ، لَكِنَّهُ مَحْكِيٌّ عَنْهُمَا، ثُمَّ نَاقَضَا فِي هَذَا القول.

<<  <  ج: ص:  >  >>