وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَصْلُحَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَعْجِزَ عَنْ أَحَدِهِمَا وَلَيْسَ يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا أَيُّهُمَا أَفْضَلُ لَهُ أن ينقطع إليه وينفر بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِمَامَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْأَذَانِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَفَرَّدَ بِالْإِمَامَةِ دُونَ الْأَذَانِ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ وَهُوَ لَا يَنْفَرِدُ إِلَّا بِأَفْضَلِ الْأَمْرَيْنِ وَأَعْلَى الْمَنْزِلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَظْهَرُ مَشَقَّةً، وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَذَانَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ فَأَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ " فَدَلَّ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى فَضْلِ الْأَذَانِ عَلَى الْإِمَامَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْزِلَةَ الْأَمَانَةِ أَعْلَى مِنْ مَنْزِلَةِ الضَّمَانِ
وَالثَّانِي: أَنَّهُ دُعَاءٌ لِلْإِمَامِ بِالرُّشْدِ، وَذَلِكَ لِخَوْفِهِ مِنْ زيغه، وَدَعَا لِلْمُؤَذِّنِ بِالْمَغْفِرَةِ وَذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِسَلَامَةِ حَالِهِ، وَأَمَّا تَرْكُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْأَذَانَ بِالْإِمَامَةِ فَفِيهَا أَجْوِبَةٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ فِي الأذان الشهادة برسالته واعترف غَيْرِهِ بِذَلِكَ أَوْلَى
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ لَكَانَ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَتْبَعَهُ الْمُؤَذِّنُونَ فِيهِ
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ كَانَ مُتَشَاغِلًا بِالرِّسَالَةِ، وَالْقِيَامِ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْفَرَاغِ لِلْأَذَانِ وَالِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " لَوْلَا الخلافة لأذنت "
[(مسألة)]
: قَالَ الشَّافِعِيُّ: (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَدَّ الْحَرُّ فَيُبْرِدَ بِهَا في مساجد الجماعات لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة " وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله " وأقل ما للمصلي في أول وقتها أن يكون عليها محافظاً ومن المخاطرة بالنسيان والشغل والآفات خارجاً
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا عَلَى مَا سَنُفَصِّلُهُ
وَقَالَ أبو حنيفة: تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ إِلَّا الْمَغْرِبَ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأُجُورِكُمْ "