وَدَلِيلُنَا عَلَى إِبَاحَتِهِ وَعَدَمِ كَرَاهَتِهِ: مَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - اسْتَأْجَرَ قِطْعَةً كَبِيرَةً مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عن ابن مسعود ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهما - وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْهُمْ غَيْرَ الْأَرْضِينَ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْآلَاتِ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْهُمُ الْأَرْضِينَ.
فَأَمَّا الْخَبَرُ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ، لِأَنَّ الْخَرَاجَ يُؤْخَذُ مِنْ مُؤَجِّرِهَا، وَالْأُجْرَةَ تُؤْخَذُ مِنْ مُسْتَأْجِرِهَا، فَإِنْ شَرَطَ الْخَرَاجَ عَلَى مُسْتَأْجِرِهَا صَحَّ إِنْ كَانَ مَعْلُومًا، وَكَانَ أُجْرَةً فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَخَرَاجًا فِي حَقِّ الْمُؤَجِّرِ.
(فَصْلٌ)
: فَإِنْ بَاعَ الْمُشْرِكُ أَرْضَهُ هَذِهِ عَلَى مُشْرِكٍ صَحَّ، وَكَانَ خَرَاجُهَا بَاقِيًا، وَإِنْ بَاعَهَا عَلَى مُسْلِمٍ صَحَّ الْبَيْعُ، وَسَقَطَ الْخَرَاجُ بِانْتِقَالِهَا إِلَى مِلْكِ الْمُسْلِمِ كَمَا لَوْ كَانَ مَالِكُهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَسْلَمَ.
وَقَالَ: بَيْعُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ مُفْضٍ إِلَى سُقُوطِهِ مَا اسْتَحَقَّهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا مِنَ الْخَرَاجِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] وَلِأَنَّ كُلَّ ما صح بيعه من مشرك صَحَّ بَيْعُهُ مِنْ مُشْرِكٍ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ بَاعَ أَرْضَهُ عَلَى مُسْلِمٍ صَحَّ، وَإِنْ أَفْضَى إِلَى إِسْقَاطِ الْعُشْرِ، فَلِأَنْ يَجُوزَ بَيْعُ أَرْضِ الْمُشْرِكِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنْ أَفْضَى إِلَى إِسْقَاطِ الْخَرَاجِ أَوْلَى، وَفِيهِ انْفِصَالٌ، فَإِذَا ثَبَتَ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَسُقُوطُ الْخَرَاجِ، فَقَدْ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَرْجِعُ الْإِمَامُ بِمَا سَقَطَ مِنْ خَرَاجِهَا عَلَى أَهْلِ الصُّلْحِ، فَإِنْ بَذَلُوهُ وَإِلَّا نَبَذَ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ خَرَاجُ أَمْلَاكِهِمْ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ خَرَاجُ مَا خَرَجَ عَنْ أَمْلَاكِهِمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سُقُوطُ خَرَاجِهَا بِإِسْلَامِ مَالِكِهَا لَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ عَلَيْهَا بِخَرَاجِهَا كَانَ بِإِسْلَامِ غَيْرِهِ أَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute