وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ لِصَاحِبِ الْبَدَنَةِ " ارْكَبْهَا إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَى تَجِدَ ظَهْرًا " فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْبَدَنَةِ مَنَافِعَهَا فَجَازَ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْوَقْفِ مَنَافِعُهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا جَازَ فِي الْبَدَنَةِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ مَنَافِعُهَا وَلَا يَجُوزُ فِي الْوَقْفِ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ يُعْتَبَرُ شَرْطٌ، فَكَذَلِكَ لَا يَعُودُ إِلَيْهِ بِالشَّرْطِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ عِتْقِهِ لِصَفِيَّةَ فَهُوَ أَنَّ الْعِتْقَ عَلَى عِوَضٍ جَائِزٌ وَالْوَقْفَ عَلَى عِوَضٍ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَأَمَّا سُكْنَى عُمَرَ وَالزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وما وَقَفَاهُ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سُكْنَاهُمَا بَعْدَ اسْتِطَابَةِ نُفُوسِ أَرْبَابِهِ، لِأَنَّ نَفْسَ مَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ لَا يَأْتِي إِرْفَاقُ الْوَقْفِ بِهِ، وَلَوْ مَنَعَهُ لَامْتَنَعَ أَوْ يَكُونَ قَدِ اسْتَأْجَرَ ذَلِكَ مِنْ وَاقِفِهِ.
وَأَمَّا الْوَقْفُ الْعَامُّ فَسَنَذْكُرُ مِنْ حُكْمِهِ مَا يَكُونُ جَوَابًا عَنْهُ.
فَصْلٌ
: وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ وَقْفَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْوَاقِفِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَامًّا أَوْ خَاصًّا، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا فَعَلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُهُ عَلَى نَفْسِي ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَقْفًا لِنَفْسِهِ، وَهَلْ يَبْطُلُ أَنْ يَكُونَ وَقْفًا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؟ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ لِأَصْلٍ بَاطِلٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا فِيهِ أَصْلًا عِنْدَ بُطْلَانِ الْأَصْلِ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَسْتَحِقُّونَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ اعْتِبَارًا بِظَاهِرِ شَرْطِهِ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِغَلَّتِهِ مِنْهُمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّوِنَ الْوَقْفَ فِي الْحَالِ وَإِلَّا صَارَ وَقْفًا بَعْدَ مُدَّةٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ صَارَتِ الْغَلَّةُ إِلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَصَارَ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَمَعْمُولًا فِيهِ عَلَى شَرْطِهِ.
وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَامًّا فَعَلَى ضربين:
أحدهما: أن يكون مَنَافِعُهُ مُبَاحَةً كَمَرَافِقِ الْمَسْجِدِ وَمَاءِ الْبِئْرِ فَهَذَا يَكُونُ فِيهِ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطِ اسْتِدْلَالًا بِوَقْفِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءٌ ثَلَاثٌ ".
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مَنَافِعُهُ لَيْسَتْ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ كَثِمَارِ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُطْلِقَهُ وَلَا يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْهُ كَرَجُلٍ وَقَفَ نَخْلًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَصَارَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، دَخَلَ فِيهِ وَجَازَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا كَأَحَدِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ بِوَصْفِهِ لَا بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَوْصُوفَيْنِ لَا عَلَى مَعْنَيَيْنِ فَيُسَاوِي مَنْ شَارَكَهُ فِي حَقِّهِ.