وَكَذَلِكَ لَوْ ضَاعَ الْكِتَابُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ صحة شهادتهما بمضونه.
وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ صِحَّةِ شَهَادَتِهِمَا إِنْ ضَاعَ أَوِ امَّحَى لِتَحَمُّلِهِمَا لِلشَّهَادَةِ عَلَى الْكِتَابِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَا بِغَيْرِ كِتَابٍ.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّهُمَا تَحَمَّلَا الشَّهَادَةَ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فَلَمْ يَمْنَعْ تَلِفُهُ مِنْ صِحَّةِ تَحَمُّلِهِمَا وَجَوَازِ أَدَائِهِمَا.
وَلِأَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا مِنْ حِفْظِهِمَا بِحَقٍّ فِي كِتَاب وَثِيقه قَدْ ضَاعَ جَازَ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ كَذَلِكَ إِنْ ضَاعَ كِتَابُ الْقَاضِي.
فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْكِتَابُ بَاقِيًا فَأَرَادَ الشَّاهِدَانِ أَنْ يَشْهَدَا بِمَا فِيهِ وَلَا يُوَصِّلَاهُ حَرُمَ إِمْسَاكُهُ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ صِحَّةِ شَهَادَتِهِمَا، لِأَنَّ الْكِتَابَ أَمَانَةٌ مُؤَدَّاةٌ فِي أَيْدِيهِمَا.
فَإِنِ امَّحَى مَا فِي الْكِتَابِ لم يلزمها إِيصَالُهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَعْدَ امْتِحَائِهِ كِتَابًا.
وَلَوِ امَّحَى بَعْضَهُ لَزِمَهُ إِيصَالُهُ إِنْ بَقِيَ أَكْثَرُهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُمَا إِيصَالُهُ إِنْ ذَهَبَ أَكْثَرُهُ.
(تَغَيَّرَ حَالُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِالْمَوْتِ أَوِ الْعَزْلِ وغيرهما) .
[(مسألة)]
: قال الشافعي: " فَإِنْ مَاتَ الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ قَبُولَهُ وَنَقْبَلُهُ كَمَا نَقْبَلُ حُكْمَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا كَتَبَ قَاضٍ إِلَى قَاضٍ كِتَابًا وَأَشْهَدَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ شُهُودًا ثم تغيرت حَالُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْحُكْمِ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ: بِمَوْتٍ أو عزل أو جنون أو فسق.
(تغير حاله بالموت أو العزل) .
فَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ فَالْحُكْمُ فِيهَا سَوَاءٌ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ كِتَابِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ حُكْمَ كِتَابِهِ ثَابِتٌ وَقَبُولَهُ وَاجِبٌ سَوَاءٌ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْكِتَابِ عَنْ يَدِهِ أَوْ بَعْدَهُ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبٌ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حُكْمَ كِتَابِهِ قَدْ سَقَطَ بِتَغْيِيرِ حَالِهِ وَلَمْ يَجُزْ قَبُولُهُ سَوَاءٌ تَغَيَّرَتْ قَبْلَ خُرُوجِ الكتاب عن يده أبو بَعْدَهُ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ إِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْكِتَابِ عَنْ يَدِهِ سَقَطَ حُكْمُهُ، وَإِنْ تَغَيَّرَتْ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ ثَبَتَ حُكْمُهُ.
وَدَلِيلُهُمَا عَلَى سُقُوطِ حُكْمِهِ أَنَّهُمَا جَعَلَا كِتَابَ الْقَاضِي فَرْعًا لِمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ، وإِذَا تَغَيَّرَتْ حَالُ الْفَرْعِ مَنَعَ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إِذَا تغيرت فيها