وَشَذَّ قَوْمٌ بِأَنْ قَالُوا: إِذَا مَزَجَهَا بِمَا غَلَبَ عَلَيْهَا لَمْ تَحْرُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " حُرِّمَتِ الْخَمْرَةُ لِعَيْنِهَا ".
وَهَذَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْجُودَةٌ فِي الْمَمْزُوجِ بِهَا، لَكِنْ لَوْ مُزِجَتْ بِالْمَاءِ قَبْلَ أَنْ تَشْتَدَّ ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ الْمَزْجِ مُسْكِرًا، كَانَتْ فِي حُكْمِ النَّبِيذِ دُونَ الْخَمْرِ، وَكَذَلِكَ.
لَوْ غَلِيَتِ بِالنَّارِ بَعْدَ إِسْكَارِهَا كَانَتْ خَمْرًا لَوْ غَلِيَتْ بِالنَّارِ قَبْلَ إِسْكَارِهَا ثُمَّ أَسْكَرَتْ بَعْدَ غَلْيِهَا كَانَتْ نَبِيذًا وَلَمْ تَكُنْ خَمْرًا.
( [الْقَوْلُ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْعَقْدِ عَلَيْهَا] )
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ فَحَرَامٌ، وَبَائِعُهَا فَاسِقٌ، وَالْعَقْدُ عَلَيْهَا بَاطِلٌ، وَثَمَنُهَا مُحَرَّمٌ.
رَوَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَلَعَنَ بَائِعَهَا " وَلِأَنَّ بَيْعَهَا مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ.
وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨] .
وَأَمَّا اتِّخَاذُ الْخَمْرِ وَإِمْسَاكُهَا فَمُعْتَبَرٌ بِمَقْصُودِهِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ أَنْ يَنْقَلِبَ وَيَصِيرَ خَلًّا جَازَ. وَلَمْ يَفْسُقْ بِهِ لِأَنَّهَا تَحِلُّ بِالِانْقِلَابِ.
وَإِنْ قَصَدَ ادِّخَارَهَا عَلَى حَالِهَا، كَانَ مَحْظُورًا، يَفْسُقُ بِهِ، لِأَنَّ إِمْسَاكَهَا دَاعٍ إِلَى شُرْبِهَا. وَمَا دَعَا إِلَى الْحَرَامِ مَحْظُورٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
( [الْقَوْلُ في الأنبذة وشهادة شاربها] )
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنْ شَرِبَ سِوَاهَا مِنَ الْمُنْصِفِ أَوِ الْخَلِيطَيْنِ فَهُوَ آثِمٌ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إِلَّا أَنْ يَسْكَرَ لِأَنَّهُ عِنْدَ جَمِيَعِهِمْ حَرَامٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ " حَرَامٌ " كَالْخَمْرِ عِنْدَنَا فِي تَحْرِيمِ مَا أَسْكَرَ مِنْهُ وَمَا لَمْ يُسْكِرْ. وَجَعَلَ مُخَالِفُنَا تَحْرِيمَهُ مَقْصُورًا عَلَى السُّكْرِ، فَأَحَلَّ قَلِيلَهُ إِذَا لَمْ يُسْكِرْ، وَحَرَّمَ فِيهِ الْكَثِيرَ إِذَا أَسْكَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
فَجَمِيعُ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ عِنْدَنَا مُحَرَّمَةٌ مِنْ أَيِّ الْأَنْوَاعِ كَانَتْ مِنْ زَبِيبٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ رُطَبٍ أَوْ بُسْرٍ أَوْ عَسَلٍ، مَطْبُوخَةً وَنِيَّةً.
وَحَرَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ نِيَّهَا وَأَبَاحَ مَطْبُوخَهَا.
فَإِذَا شَرِبَ نَبِيذًا مُسْكِرًا، فَإِنْ شَرِبَ مِنْهُ مَا أَسْكَرَ فَقَدْ شَرِبَ حَرَامًا في قول