للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ إِمْكَانِ الْحَجِّ وَأَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ

قال الشافعي: رحمه الله تعالى: " وَإِذَا اسْتَطَاعَ الرَّجُلُ فَأَمْكَنَهُ مَسِيرُ النَّاسِ مِنْ بَلَدِهِ فَقَدْ لَزِمَهُ الْحَجُّ فَإِنْ مَاتَ قُضِيَ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ لِبُعْدِ دَارِهِ وَدُنُوِّ الْحَجِّ مِنْهُ وَلَمْ يَعِشْ حَتَّى يُمْكِنَهُ مِنْ قَابِلٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، قَدْ ذَكَرْنَا الشَّرَائِطَ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ، فَأَمَّا الشَّرْطُ فِي اسْتِقْرَارِ الْفَرْضِ، فَهُوَ أَنْ يُمْكِنَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ الْمَسِيرُ مِنْ بَلَدِهِ عَلَى عَادَةِ النَّاسِ فِي سَيْرِهِمْ، فَيُوَافِي الْحَجَّ فِي عَامِهِ فَإِذَا مَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ مِثْلُ هَذِهِ الْمُدَّةِ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ، فَقَدِ اسْتَقَرَّ الْفَرْضُ فِي ذِمَّتِهِ لِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ، فَإِنْ مات قيل أَنْ يَحُجَّ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْمَسِيرُ فِي عَامِهِ لِبُعْدِ دَارِهِ، ودنوا الْحَجِّ مِنْهُ أَوْ أَمْكَنَهُ بِمُفَارَقَةِ عَادَةِ النَّاسِ فِي سَيْرِهِمْ، فَفَرْضُ الْحَجِّ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فِي ذِمَّتِهِ، لِتَعَذُّرِ الْأَدَاءِ فَإِنْ مَاتَ فِي عَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ، مِثَالُ ذَلِكَ الصَّلَاةُ تَجِبُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَيَسْتَقِرُّ فَرْضُهَا بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ وَجَبَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ، فَإِذَا مَرَّ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَقَدِ اسْتَقَرَّ الْفَرْضُ فَلَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ زَمَانِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الصَّلَاةِ، وَلَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ زَمَانِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ فِي الْحَجِّ إِنْ مَاتَ قَبْلَ إِمْكَانِ الْأَدَاءِ، فَلَا قَضَاءَ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ إِمْكَانِ الْأَدَاءِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ.

وَقَالَ أَبُو يَحْيَى الْبَلْخِيُّ، لَيْسَ إِمْكَانُ الْأَدَاءِ شَرْطًا فِي اسْتِقْرَارِ الْفَرْضِ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَجِّ وَقَبْلَ إِمْكَانِ الْأَدَاءِ أَوْ جُنَّ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ زَمَانِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَلَيْسَ هَذَا بِصَوَابٍ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا اسْتَقَرَّ فَرْضُ الْحَجِّ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَاتَ قَبْلَ أَدَائِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِمَوْتِهِ، وَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَصَّى بِهِ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، كَانَ الْوَارِثُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَضَاهُ عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْضِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ وأبو حنيفة قَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ بِمَوْتِهِ وَصَّى بِهِ أَمْ لَا، فَإِنْ وَصَّى بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ تَطَوُّعًا فِي ثَلَاثَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) {آل عمران: ٩٧) وَالْمَيِّتُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِفَرْضٍ وَلَا مُسْتَطِيعٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>