مُسْتَحَقٌّ مِنْ يَدِهِ بِنُكُولِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَكَانَ مُقَرًّا فِي يَدِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَسَلَّمُ الْمُشْتَرِي، وَكَانَ بَاقِيًا مِنْ يَدِ الْبَائِعَيْنِ وُقِفَتِ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ، وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مُطَالَبَةُ مُبَايِعِهِ، فَيَتَسَلَّمُ مَا ابْتَاعَهُ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ إِلَّا عَلَى تَسْلِيمِ نِصْفِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ، فَإِذَا قَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ، تَخَاصَمَ فِيهِ الْمُشْتَرِيَانِ، وَكَانَ حُكْمُهُمَا فِي التَّخَاصُمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ فِي يَدِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ، تَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ بِيَدِهِ وَجْهًا وَاحِدًا، بِخِلَافِ يَدِهِ لَوْ كَانَ الْبَائِعُ عَلَيْهَا وَاحِدًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّهُمَا فِي الشِّرَاءِ مَعَ اثْنَيْنِ يَجْعَلُ يَدَهُ بِيَدِ بَائِعِهِ الَّذِي لَمْ يُنْقَلْ مِلْكُهُ إِلَّا إِلَيْهِ، فَصَارَتْ يَدُهُ كَيْدَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ، فَحُكِمَ لَهُ بِالْجَمِيعِ، لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ بِالْجَمِيعِ بَيِّنَةُ دَاخِلٍ وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ فِي الْجَمِيعِ بَيِّنَةُ خَارِجٍ، وَلَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَرَجَعَ الْآخَرُ عَلَى صَاحِبِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهُ مُخَاصَمَةُ صَاحِبِهِ فِي الشِّرَاءِ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَقَرَّ ابْتِيَاعُهُ لِجَمِيعِ الثَّوْبِ، لِحُكْمٍ بَاتٍّ، وَيَنْقَطِعُ التَّنَازُعُ بَيْنَ الْبَائِعَيْنِ، كَانْقِطَاعِهِ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ لِنُفُوذِ الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ وَالْيَدِ لِلْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ عَلَى الْبَائِعِ الْآخَرِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ.
: وَأَمَّا الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ، فَقَدْ تَكَافَئَا فِي الْبَيِّنَةِ وَالْيَدِ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةُ دَاخِلٍ فِي نِصْفِهِ، وَبَيِّنَةُ خَارِجٍ مِنْ نِصْفِهِ، فَيُحْكَمُ بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَتَكُونُ الْخُصُومَةُ فِيهِ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ، وَلَا خُصُومَةَ فِي الْحَالِ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ الْبَائِعَيْنِ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِحْلَافُ صَاحِبِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ عَلَيْهِ، لَزِمَهُ تَسْلِيمُ مَا بِيَدِهِ وَفِي كَيْفِيَّةِ يَمِينِهِ قَوْلَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: بِاسْتِعْمَالِهِمَا كَانَتْ يَمِينُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ، فَيَحْلِفُ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا بِيَدِي، وَلَا يَحْلِفُ إِنِّي مَالِكٌ لِمَا بِيَدِي، لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالْبَيِّنَةِ، فَلَا يَمِينَ مَعَ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ تَعَارُضَهُمَا مُوجِبٌ لِإِسْقَاطِهِمَا، كَانَتْ يَمِينُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْإِثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ، فَيَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ تَمَلَّكَهُ بِالِابْتِيَاعِ مِنْ فُلَانٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ بِالْبَيِّنَةِ، فَصَارَ مَالِكًا بِالثَّمَنِ، فَإِنْ حَلَفَا كَانَ الثَّوْبُ بَيْنَهُمَا مِلْكًا، وَإِنْ نَكَلَا كَانَ الثَّوْبُ بَيْنَهُمَا يَدًا، فَلَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالدَّرَكِ عَلَى مُبَايِعِهِ، سَوَاءٌ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ادِّعَاءِ جَمِيعِهِ مِلْكًا بِالِابْتِيَاعِ مُصَدَّقٌ لِمُبَايِعِهِ عَلَى مِلْكِهِ.
وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا، وَنَكَلَ الْآخَرُ، حُكِمَ بِالْجَمِيعِ لِلْحَالِفِ دُونَ النَّاكِلِ، وَلَزِمَهُ ثَمَنُ جَمِيعِهِ لِمُبَايِعِهِ، لِاعْتِرَافِهِمَا بِاسْتِحْقَاقِهِ، وَلَا رُجُوعَ لِلنَّاكِلِ بِدَرَكِهِ عَلَى مُبَايِعِهِ بِشَيْءٍ مِنْ ثَمَنِهِ، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ بَائِعٌ لِمِلْكِهِ.
فَإِنْ أَحَالَ الْمُشْتَرِيَانِ بِالتَّحَالُفِ عَلَى الْبَائِعَيْنِ لِيَكُونَا خَصْمَيْنِ فِيهِ، كَانَ جَوَازُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ، مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، فَإِنْ قِيلَ: بِإِسْقَاطِهِمَا، تَحَالَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعَانِ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ خَصْمًا لِمُبَايِعِهِ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute