أَقَرَّتْ بِمَا شَاهَدَتْ مِنْ إِقْرَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَلِأَنَّهُ مَصْنُوعٌ بِمَا لَا يُتَّخَذُ طِيبًا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْهُ الْمُحْرِمُ، كَالْمَصْنُوعِ بِالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ، وَلِأَنَّهُ مُعَصْفَرٌ، فَوَجَبَ أَلَا يُلْزَمَ بِلُبْسِهِ الفدية، قياساً على ما لا ينقص وأما جمعهم بين المعصفر والمزعفر، فغيره صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الزَّعْفَرَانَ طِيبٌ فِي الْغَالِبِ، وَالْعُصْفُرَ لَيْسَ بِطِيبٍ.
فَصْلٌ
: وَهَكَذَا إِذَا اخْتَضَبَ الْمُحْرِمُ، والمحرمة بالحناء، لم يفتد واحد منهما وَقَالَ أبو حنيفة: عَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ. اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ مُسْتَلَذُّ الرَّائِحَةِ، فَأَشْبَهَ الْوَرْسَ. وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ وَأَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كُنَّ يَخْتَضِبْنَ بِالْحِنَّاءِ، وَهُنَّ حُرُمٌ. وَهَذَا نَصٌّ لأنهن لا بفعلته إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ اللَّوْنُ دُونَ الرَّائِحَةِ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَلْوَانِ. وَاسْتِدْلَالُ أبي حنيفة بِاسْتِلْذَاذِ رَائِحَتِهِ، مُنْتَقَضٌ بِالتُّفَّاحِ وَالْأُتْرُجِّ.
مَسْأَلَةٌ
: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ مَسَّ طِيبًا يَابِسًا لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ، وَإِنْ بَقِيَ لَهُ ريحٌ، فَلَا فِدْيَةَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا مَسَّ الْمُحْرِمُ طِيبًا يَابِسًا بِيَدِهِ عَامِدًا فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ، وَلَا رَائِحَةٌ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَقِيَ لَهُ أَثَرٌ وَرَائِحَةٌ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَقِيَ أَثَرُهُ دُونَ رَائِحَةٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. فَأَمَّا إِذَا بَقِيَتْ رَائِحَتُهُ دُونَ أَثَرِهِ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَا هُنَا: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. وَنَقْلَهُ الْمُزَنِيُّ مِنْ كِتَابِ الْأَوْسَطِ.
وَقَالَ فِي الْأُمِّ: فَإِنْ مَسَّ طِيبًا يَابِسًا لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فِي يَدِهِ، وَلَا رَائِحَةٌ، كرهة وَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ. فَظَاهِرُ ذَلِكَ: أَنَّهُ إِذَا بَقِيَتِ الرَّائِحَةُ، فَفِيهِ الْفِدْيَةُ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا. فَكَانَ أَكْثَرُهُمْ يُخَرِّجُونَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرَّائِحَةُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ عَنْ مُجَاوَرَةٍ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي الرَّائِحَةِ قَوْلًا وَاحِدًا عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ مَا قاله في الأم محتمل.
[مسألة]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَهُ أَنْ يَجْلِسَ عِنْدَ الْعَطَّارِ، وَيَشْتَرِيَ الطِّيبَ مَا لَمْ يَمَسَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. لَا بَأْسَ أَنْ يَجْلِسَ الْمُحْرِمُ عِنْدَ الْعَطَّارِ، أَوْ يَشْتَرِيَ الطِّيبَ وَيَبِيعَهُ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ، وَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ مِنْ تَمَلُّكِهِ، فَلَوْ وَصَلَتْ رَائِحَةُ الطِّيبِ إِلَى أنفه لم يفتد، ما لم يسمه شَيْءٌ مِنْ جَسَدِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَطَيِّبًا.
[فصل]
: ولو شد المحرم طيباً فِي خِرْقَةٍ، فَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ، لَمْ يَفْتَدِ، وَلَوْ شَمَّهُ فِي الْخِرْقَةِ. كَانَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عليه وجهان: